يمنيّون يستقبلون رمضان ببطون فارغة

وضع تجسده سجلات الديون المتضخمة
منصور أبو الفضل منصور
March 23, 2023

يمنيّون يستقبلون رمضان ببطون فارغة

وضع تجسده سجلات الديون المتضخمة
منصور أبو الفضل منصور
March 23, 2023
Photo by: Hamza Mustafa - © Khuyut

انتظر المواطن الأربعينيّ محمد عبدالله، هذه اللحظة التي يحلّ فيها شهر رمضان بعد ما سبقه محادثات ومشاورات حاسمة بين أطراف الصراع، كان أهمّها تلك التي رعتها سلطنة عمان، وما دار من أنباء حولها والملفات التي تبحثها، خاصة ملف صرف جزءٍ كبير من رواتب الموظفين المدنيّين وقرب صرفها قبل حلول شهر رمضان.

لكن دخول شهر الصوم، بدّد تفاؤل محمد، المدرس في قطاع التربية والتعليم، والذي انقطعت رواتبه كغيره من الموظفين المدنيين منذ مطلع العام 2017.

يقول عبدالله، لـ"خيوط": "تفاءل الكثير من الناس، وخصوصًا نحن العاملين في قطاع التعليم، بالأخبار التي رافقت المشاورات بين أطراف الصراع، وبالتحديد فيما يخص مسألة صرف الرواتب، وكنّا نظن أنّ رمضان هذا الموسم سيأتي، ونحن محتفلون بصرف الرواتب بعد طول انقطاع، إلّا أنّ حكومة صنعاء تمخضت فولدت نصف راتب".

يتطرّق عبدالله إلى موضوع مهمّ في هذا الخصوص، وهو حديث كثير من المواطنين الذين يستغربون طريقة تعامل سلطة صنعاء مع هذه القضية، قائلًا: "إنّ سلطة أنصار الله (الحوثيين) تتقاعس عن إيجاد حلول جدية لتحسين الأوضاع المعيشية ومعالجة موضوع الرواتب، في حين تصرف مليارات الريالات عبر هيئة الزكاة كمساعدات ومعونات وغيرها".

كنّا ننتظر رمضان بلهفة كبيرة، وبما توفر من احتياجات أساسية قبل أن يُتوفَّى زوجي، عائلنا الوحيد"؛ إذ كان وجوده في البيت -بحسب حديثها- يمثّل مصدر أمان بالنسبة لها ولأطفالها في ظلّ ما كان يسود المجتمع من تعاضد وتكافل بين الناس، أمّا الآن -وفق اعتقادها- فالجميع يحتاج إلى المساعدة.

الأمر الذي دفع هذا المعلم إلى ترك طابور الصباح في المدرسة والوقوف في طوابير المعونة، في الوقت الذي كان بإمكانها صرف هذه المبالغ الكبيرة كمرتبات شهرية، والتي سينعكس أثرها الإيجابي على كل بيت، خصوصًا في هذه الأيام، مع حلول شهر رمضان.

حياة شاقة وانعكاسات قاسية

يكابد اليمنيّون أوضاعًا صعبة ومأساوية من عام لآخر بفعل الحرب والصراع الدائر في البلاد، منذ نحو تسعة أعوام في ظلّ أزمات اقتصادية حادّة وتردٍّ معيشيّ يطال جميع الشرائح السكانية، والتي تجعل الكثير منهم عاجزًا عن توفير أهمّ الاحتياجات الغذائية، خصوصًا في شهر رمضان الذي يشهد ارتفاعًا في مستوى الاستهلاك، الذي يصاحبه قفزات واسعة في أسعار مختلف السلع والمواد الأساسية. 

هنا أسرة مكونة من أمّ وأربعة أطفال، أكبرهم منيف (16 عامًا)، الذي توقف عن التعليم منذ ثلاث سنوات عندما تُوفِّي والده وهو يصارع أمراضًا كثيرة، منها الكبد، فانشغل منيف بالعمل عن التعليم، حيث عمل ولا يزال، في نقل احتياجات السكان من السوق على ظهره تارةً، وعلى ظهر حماره الذي ورثه عن والده تارةً أخرى، وذلك لتوفير جزءٍ من قوت أمّه وإخوانه.

كانت هذه الأسرة تملك أرضًا زراعية صغيرة، توفر لهم بالكاد ما يواجهون به الجوع، إلا أنّها اضطرت لبيعها لكي تتمكن من علاج عائلها الوحيد الذي فقدته ودفعت تكاليف باهظة نتيجة لذلك.

تقول الأم زهرة (40 عامًا)، لـ"خيوط": "كنّا ننتظر رمضان بلهفة كبيرة، وبما توفر من احتياجات أساسية قبل أن يُتوفَّى زوجي، عائلنا الوحيد"، إذ كان وجوده في البيت -بحسب حديثها- يمثّل مصدر أمان بالنسبة لها ولأطفالها في ظلّ ما كان يسود المجتمع من تعاضد وتكافل بين الناس، أمّا الآن وَفقَ اعتقادها، فالجميع يحتاج إلى المساعدة. 

تعاني هذه المرأة من أمراض ومشاكل صحية كثيرة، انعكست على تعليم أطفالها، وأعاقهم عن الالتحاق بصفوفهم الدراسية، إذ يقومون بكثير من المهام المنزلية، كجلب المياه الصالحة للشرب من أماكن بعيدة، إضافة إلى تفرغ الابن الأكبر للعمل بالأجر اليومي.

وتجد هذه الأسرة كغيرها من الأسر اليمنية، صعوبة بالغة في توفير غاز الطهي المنزلي، بسبب ارتفاع أسعاره وتجاوز القنينة 7 آلاف ريال، سيدفع ذلك هذه الأم المصابة بمرض "الربو" إلى استخدام الحطب في الطبخ والذي يؤثّر كثيرًا على صحتها.

تكلفة باهظة

ويعيش اليمن على وقع أزمات اقتصادية ومعيشية طاحنة وارتفاعٍ كبير في أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية يفوق قدرات نسبة كبيرة من اليمنيين، مع توسع دائرة الديون المتراكمة على كثير من الأسَر، بالأخص للمؤجرين ومحال بيع الغذاء.

يؤكّد محمود علي، مالك متجر لبيع المواد الغذائية، لـ"خيوط"، أنّ سجلات الديون ممتلئة ومتراكمة على المواطنين؛ بسبب الأزمات المعيشية، وانقطاع رواتب الموظفين المدنيين، كما هو الحال في المناطق المحلية والريفية.

ويضيف أنّ ذلك أثّر عليهم كتجار ومخازن بيع الغذاء في ظلّ شحة السيولة القائمة وتراجع القوة الشرائية للسكان، والذي انعكس على عملية الاستعداد لشهر رمضان، كما جرت العادة بتوفير مختلف السلع والمواد الأساسية والغذائية والاستهلاكية والبهارات، ومكونات المأكولات والحلويات المختلفة، لافتًا إلى أنّ رأس مالهم حاليًّا كتجار في سجلات الديون، بينما في حال توفرت البضاعة، فإنّ القوة الشرائية في أدنى مستوياتها.

ويدفع اليمنيّون تكلفة هذه الحرب القاسية والتي سلبت منهم حياتهم واستقرارهم وسبل عيشهم ورواتبهم وأعمالهم، ومن نجوا منهم بحياتهم سلبت منهم حتى الفرحة والشعور بالأمان، حتى رمضان فقدَ بفعلِها روحه وروحانيته.

 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English