الطلاق ظاهرة تؤرق المجتمع في اليمن

أشعلت الحرب فتيله
وهب الدين العواضي
July 13, 2021

الطلاق ظاهرة تؤرق المجتمع في اليمن

أشعلت الحرب فتيله
وهب الدين العواضي
July 13, 2021

أحدثت الحرب في اليمن، التي ما زال القتال فيها يتصاعد باستمرار، شرخًا مجتمعيًّا يزداد اتساعًا بمرور الزمن، على مستوى الأسرة وعلى المستوى العام. إذ توسعت ظاهرة الطلاق في مدينة تعز وحدها، بشكلٍ مخيف، مع ارتفاع معدلها بشكل لافت، خصوصًا في السنوات الأخيرة، حيث كان للحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الأثر الرئيس في نشوب المشاكل العائلية بين الزوجين، تفضي الكثير منها لفسخ عقد زواجهما أو إثبات الطلاق، في وقتٍ مبكرٍ جدًّا من علاقتهما.

اطلعت "خيوط" على سجلات المحكمة الابتدائية الغربية لمدينة تعز فقط، لترصد إجمالي حالات الطلاق منذ 2018 حتى منتصف يونيو/ حزيران الجاري؛ (377) قضية فسخ لعقد زواج وإثبات طلاق من أصل ما يقارب ألفي قضية عامة في المحكمة.

طلاقٌ مُبكّر

صفية (اسم مستعار)، خلعت زوجها بعد ثلاثة أشهرٍ فقط من زواجهما، وهي واحدة من بين مئات حالات الطلاق التي تماثلت وتشابهت أسبابها، تقول صفية لـ"خيوط"، إن خلافها مع زوجها بدأ بعد أسابيعٍ قليلة من عمر زواجهما، وتفاقمت المشاكل بينهما حتى أيقنت باستحالة استمرار الزواج.

وتضيف قائلة: "خلعت زوجي بعد 3 أشهر فقط، كنت حينها حامل بطفلته، أصررت على الطلاق كثيرًا، وقمت بخلعه مقابل تنازلي عن المهر المؤخر، وعدم تحمله مسؤولية ابنتي التي لم ترَ النور حينئذ".

كان للارتفاع المهول في تكاليف المعيشة، وعدم تحمل الزوج للمسؤولية، إضافة إلى العجز عن توفير متطلبات الحياة الزوجية، التي أصبحت عِبئًا على كل المواطنين في ظل التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد، الأثر الأكبر في اشتداد الخلاف بين صفية وزوجها، وبحسب صفية كان زوجها كثير الاتكاء على عائلته في المصاريف، ولم يكن لديه مشروعٌ أو مهنة أو دخلًا مستقلًّا، الأمر الذي دفعها لرفع قضية خلع منه.

انتهاء الحرب هو الحل الوحيد لإيقاف عدّاد الطلاق المتزايد في اليمن عمومًا، إضافة إلى الوعي والإدراك من قبل الزوجين لطبيعة المرحلة والقُدرة على التعايش مع الظروف التي يمرون بها

تتابع: "كنا نعيش في نفس البيت مع عائلته، التي لم أعتد العيش معها، بينما زوجي لم يستطع أن يكوِّن أو يحصل على منزل لنستقر فيه بحياتنا، ونؤسسها ونعيش بسلام".

تعدّدت الأسباب

لم تكُن الظروف الاقتصادية وتدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وحدها من ضاعفت المسؤولية على الأزواج وأثقلت كواهلهم إلى الحد الذي أوصل العلاقات للتفكك؛ ففي حالات الطلاق ساهمت التداعيات النفسية للحرب، وتواجد الأزواج في جبهات القتال بعيدًا عن زوجاتهم، وانشغالهم بالمعارك على حساب حياتهم الزوجية، في حدوث الكثير من المشاكل التي أدت بدورها للطلاق.

في هذا الصدد ترى المحامية، أمل الصبري، أن ارتفاع معدلات الطلاق بشكل كبير في اليمن ومدينة تعز على وجه الخصوص يعود إلى الآثار السلبية التي ولّدتها الحرب والنزاعات المسلحة، وفي مقدمتها تردي الوضع الاقتصادي، والتداعيات النفسية التي أثرت على الناس بشكل كبير، وتسببت في ضغوطات نفسية أنتجت مشاكل عميقة على مستوى الأسرة.

وتضيف لـ"خيوط": "أنا كمحامية ومن واقع عملي في قضايا الأسرة التي أترافع بها، وجدتُ أن هناك أيضًا أسبابًا ثانوية للطلاق إضافة إلى ما ذُكر سابقًا؛ هذه الأسباب تتعلق بثقافة المجتمع من حيث التفاهم بين الزوجين -خصوصًا حديثي الزواج- التي ترى أنه يتوجب على الرجل فرض سلطته على المرأة بشكل أكبر، إضافةً إلى غربة رب الأسرة أو هجرته خارج البلد أو غيابه في جبهات القتال وانقطاعه عن زوجته لفترات طويلة، التي تؤثر نفسيًّا على الرجل ابتداءً، ومن ثَمّ انعكاس ذلك على انسجام واستقرار الأسرة".

وفي هذا الصدد، تروي لنا صفية في سياق حديثها، بأن جارتها التي تسكُن في القرب منها، تعيش مشاكل كثيرة مع زوجها المُجنّد لدى أحد أطراف الحرب، مضيفةً أن جارهم يستخدم العنف مع زوجته بشكل شبه يومي، موضحةً أن تصرفاته قد تدل على أنه يعاني من حالة نفسية صعبة بحكم تواجده في جبهات القتال، ما انعكس على حياته الزوجية، وأصبحت كل سلوكياته وتصرفاته عدوانية.

وتعتقد صفية أن جارتها ضحّت بنفسها وحياتها لأجل أبنائها الأربعة، وهذا قد يكون سببًا لصبرها وتحملها على الإهانة إلى حد الآن، بحسب تعبيرها.

ويعتبر زواج القاصرات من ضمن الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق المُبكر، وبحسب الصبري فإن زواج القاصرات أحد أهم الأسباب التي تنتهي بالطلاق، ذلك أن الفتاة تكون غير مهيأة لمسؤوليات الزواج، سواءً على المستوى النفسي أو الجسدي، مشيرةً أن هناك الكثير من ضحايا الزواج المُبكر كانوا إناثًا أو ذكورًا، خصوصًا في الأرياف، وتحديدًا في مديريات صبر وشرعب وجبل حبشي، بتعز.

تفكُّك مجتمعي

يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة تعز، ياسر الصلوي، إن ارتفاع معدلات الطلاق مؤشر سلبي على تفكُّك المجتمع، وهذا يترتب عليه الكثير من المخاطر المستقبلية المتعلقة بتربية الأبناء، الذين يتسبب الطلاق في نشأتهم نشأة غير سوية.

ويضيف في حديثه لـ"خيوط"، أن للطلاق أيضًا مخاطر بالنسبة للمرأة؛ لأن المجتمع ينظر للمرأة المُطلقة نظرةً سلبية ملؤها الشكّ والريبة، بالإضافة إلى إلقاء الأعباء على أُسرهن؛ لأنها حتمًا ستعود إلى أسرتها الأولى.

وبهذا الخصوص، تقول صفية، إن المجتمع للأسف ينظر للمرأة المُطلقة نظرة مختلفة وينفر منها، وكأنها اقترفت ذنبًا عظيمًا، وفعليًّا يحاسبونها على ذلك، ويرمون بكل عيوب العلاقة عليها فقط، وكأن الرجل معصوم عن الخطأ.

تعاني النساء من التداعيات السلبية الاجتماعية والنفسية للطلاق بنسبة أكبر من الرجال، وقد تتسبب نظرة المجتمع في دخولهن مرحلة اكتئاب مزمن، بالإضافة إلى تأثرهن صحيًّا جراء ذلك، في المقابل هناك من يتغلب على نظرة المجتمع وانتقاداته بالتجاهل التام كما فعلت صفية، التي تؤكد أنّها أيضًا تضطر في بعض الأحيان للابتعاد عن المجتمع والتواري عن الأنظار والدخول في عزلة ذاتية لتجنب المشاكل مع الناس.

فيما يؤكد الكثيرون من المهتمين والمختصين أن انتهاء الحرب هو الحل الوحيد لإيقاف عدّاد الطلاق المتزايد في اليمن عمومًا، يضيف الدكتور الصلوي إلى ذلك حلولًا أخرى، لا سيما بالوقت الحالي، تتمثل بالوعي والإدراك من قبل الزوج والزوجة لطبيعة المرحلة والقُدرة على التعايش مع الظروف التي يمرون بها، والتكيّف معها باعتبارها أزمة وستنتهي، بدون هذا الوعي، ستزداد وتيرة وحدّة الخلافات في الأسر، والتي تنتهي في الغالب بالانفصال والطلاق.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English