كساد برعاية رسمية

تمور الجوف من المزارع إلى أسواق البخس
خيوط
September 11, 2023

كساد برعاية رسمية

تمور الجوف من المزارع إلى أسواق البخس
خيوط
September 11, 2023
.

محفوظ الشامي & محمد عمر - خيوط

 للعام الخامس على التوالي والمزارع أمين بن زاهرة العكيمي، مالك أكبر مزرعة للتمور في مديرية (خب والشعف) بمحافظة الجوف (شرقي صنعاء)؛ يشكو كساد ما تنتجه مزرعته من تمور متنوعة؛ جراء عزوف التجار عن شراء المحصول.

يقول المزارع العكيمي، لـ"خيوط"، إنّ أكثر من مليون نخلة في مديرية "خب والشعف"، قد أثمرت وأصبح محصولها جاهزًا للجني، ولكنه يشير إلى أنّ هذا المحصول الكبير لا يحظى بالاهتمام المطلوب من قبل الجهات الحكومية المعنية المتمثلة بوزارتَي الزراعة والتجارة والصناعة، وكذلك الشركات التجارية التي تبخس المزارعين تمورهم بأسعار زهيدة.

كما أنّ أشجار النخيل جاهزة للجني، والتمور في طريقها إلى الاستهلاك، لكن المشكلة هذا العام أيضًا ما زالت قائمة كالأعوام السابقة، بحسب العكيمي، فغياب الدور الفاعل المتمثل بوزارة الزراعة والاتحاد الزراعي في الوقوف بجانب المزارع عندما لا يجد من يشتري محصول التمر منه، يمثل عقبة كبيرة في بيعه للتمور شريطة الربح، ما يضطره إلى عرضها بثمن بخس لشركات تجارية، وإلا فإن المصير هو التلف.

يصل إنتاج هذه المنطقة (خب والشعف) في محافظة الجوف إلى أكثر من ألف طن من التمور سنويًّا، ورغم وفرة المحصول فإنّ المزارع لا يجد سوقًا مركزيًّا لبيع ثماره في الجوف بل يذهب بها إلى صنعاء أو صعدة لعرضها لتجارٍ يبخسونها.

تمور معروضة للبيع في السوق المركزي للحبوب والتمور - صنعاء

وفقًا لبيانات إدارة الإحصاء الزراعي التابع لوزارة الزراعة والري في صنعاء، لعام 2021، فإنّ زراعة النخيل في اليمن تأتي في المرتبة الثانية في المساحة المحصولية للفواكه؛ وذلك بعد المانجو بنسبة 15.4% بمساحة تقدر بنحو (14767) هكتارًا، إضافة إلى كمية الإنتاج التي تصل إلى (66139) طنًّا.

وتحتل محافظة حضرموت المرتبة الأولى في إنتاج النخيل بنحو (33054) طنًّا، من مساحة تقدر بحوالي (6153) هكتارًا، تليها محافظة الحديدة بقرابة (19434) طنًّا من مساحة زراعية تقدر بنحو (5028) هكتارًا، وتوزعت باقي المساحة وكميات الإنتاج على محافظات المهرة وشبوة والجوف وأبين ولحج ومأرب وتعز وصعدة وحجة.

ويُرجع مدير مكتب الزراعة والري في مديرية (خب والشعف) بمحافظة الجوف، في حديثه لـ"خيوط"، سبب كساد التمور إلى عدم فتح نقاط شراء في المحافظة من تجار التمور والسوق المركزي، وهو ما يتطلب إلزام التجار بشراء المنتج من المزارعين في المحافظة، وتشجيعهم ومنع الاستيراد من الخارج، واستقطاب المستثمرين في التوسع بزراعة النخيل، علمًا أنّ محافظة الجوف تزرع كل أنواع النخيل.

ويعترف جساس شبرين بتقصير رسمي، إذ يعمل مكتب الزراعة بالمحافظة، بالتعاون مع الجانب الأمني، على ضبط مهرِّبي التمور من (نجران) الحدودية (جنوب السعودية) إلى محافظة الجوف (شمال اليمن)، عبر الطرق الصحراوية، حيث يتسبب التهريب في مضاعفة كساد تمور الجوف.

عوائق ومشكلات 

ويعاني مزارعو النخيل في الجوف من مشكلات، منها: عدم وجود مصانع أو أماكن لتخزين محصول التمور لمدة بعد جنيه؛ ما يضطرهم إلى البيع وفقًا لاشتراطات المشتري الذي لا يدفع القيمة العادلة؛ وذلك هربًا من نتائج كارثية على المزارع، أسوَؤُها التلف.

ويصف المزارعون معاناتهم وخساراتهم للأعوام الماضية بتحسر، إذ يُرجعون تلف تمورهم جراء الأمطار وتعرضها لهجوم الحشرات إلى عدم وجود الأسواق المركزية في الجوف.

يطالب مزارعو النخيل في الجوف بإيجاد سوق مركزي للتمور المحلية، لكي يأتي التجار إليه شريطة اتزان الأسعار وتحديدها لما فيه مصلحة كلٍّ من المزارع والتاجر، كحال كثير من منتجات الفواكه والخضار.

بعد الكثير من المناشدات والمطالبات، تكفلت شركة (التلال) -بضغوط رسمية، وهي شركة تجارية واستثمارية خاصة، يملكها مستثمرون- بشراء المحصول من المزارعين.

رغم ذلك، لم يتم حل مشكلة تسويق النخيل التي يعاني منها المزارعون في هذه المحافظة، كما يفيد عدد منهم في أحاديث متفرقة لـ"خيوط"، وذلك بسبب ما نشب من خلاف مع الشركة التي عرضت عليهم سعرًا غير عادل، حيث تريد أن تدفع في الكيلو الواحد من التمر أقل من 500 ريال يمني وتأخذ كل الأصناف بسعر واحد، علمًا بأن بعض الأصناف الفاخرة يصل سعرها إلى نحو 1500 ريال يمني للكيلوغرام الواحد.

في السياق، يتحدث لـ"خيوط"، مدير شركة (التلال)، جميل القايفي، للتعليق على أقوال المزارعين في الجوف الذين حمّلوا الشركة سبب كساد محاصيل التمور وبخس شرائها، بالقول: "التمور التي تصل إلينا ليست من الدرجة الممتازة، وبعضها لا يصلح للاستخدام البشري، ولكن الدولة ترغمنا على الشراء، لكن مع ذلك فإننا نواجه تحديات عديدة وصعوبات في بيعها؛ فالمستهلك يختار التمور عالية الجودة والتي تكون غالبًا أصنافًا مستوردة من الخارج".

يضيف القايفي: "التمر الجيد في الجوف يباع في المحافظات، ونحن نتفاوض على الشراء مع وكلاء يريدون فرض سعرٍ عالٍ للتمور، ومن يصل إلينا من المزارعين لا تزيد نسبتهم على 30% مقارنة بالوكلاء الطامعين بأرباح كبيرة".

ونتيجة لعدم وجود سياسة حكومية مشجعة لزراعة النخيل وزيادة إنتاج التمور، فإن العوائق تضاعف من خسارات المزارعين، ومن بينها سوء التخزين وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في مجالات ما بعد الحصاد، كالتغليف والتوزيع، إذ يحمّل القايفي الجهات العامة المختصة والمزارعين مسؤولية غياب الأصناف الجيدة من التمور، مُرجِعًا أسباب ذلك إلى عدم وجود خطط زراعية استراتيجية تطور من محاصيل التمور وتولي أهمية للتنوع في الأصناف، أسوة بدول عربية منتجة كالسعودية.

ورغم إصدار وزارة الزراعة والري قرارًا بشأن مستوردي التمور، يمنع من دخول أي شحنات تمور بأي شكل من الأشكال حتى انتهاء موسم المنتج المحلي وتسويقه، فإن التجار لم يلتزموا به، بحسب أقوال المزارعين الذين يعانون كساد تمورهم ويتهمون الحكومة بالتساهل مع المستورين.

من جانبه، يتهم زيد عسكر، مدير فرع مؤسسة الخدمات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة والري بمحافظة الجوف، لـ"خيوط"، الحكومات السابقة في اتباع سياسية الاستيراد للتمور الخارجية على حساب المحلية، ما تسبب في الكساد الذي يَعِد أن تتم معالجته بأقرب وقت، حد قوله.

تمور معروضة للبيع في السوق المركزي للحبوب والتمور - صنعاء

تهميش متعمد 

يحمل الباحث الزراعي زايد بن ثيبة، وهو من سكان منطقة (خب والشعف) الجهات الرسمية ممثلة بوزارتي الزراعة، والتجارة والصناعة، مسؤولية السماح للتجار والمستثمرين باستيراد التمور الخارجية، الأمر الذي يتسبب بكساد تمور الجوف وتلفها، حد قوله.

فضلًا عن أنّ التقصير الملحوظ من قبل السلطات العامة الحكومية يجعل منتجات مزارعي الجوف من التمور، تبدو أقل جودة نتيجة ضعف التسويق والتغليف، وهو ما يدفع المستهلكين لشراء الأصناف المستوردة، إذ يدفع ذلك التجار، وفق حديث بن ثيبة لـ"خيوط"، إلى التقليل من تمور الجوف، ما يشكل خطرًا محدقًا على مستقبل زراعة النخيل

ويطالب مزارعو النخيل في الجوف بإيجاد سوق مركزي للتمور المحلية، لكي يأتي التجار إليه، شريطة اتزان الأسعار وتحديدها لما فيه مصلحة كلٍّ من المزارع والتاجر كحال كثير من منتجات الفواكه والخضار.

ويتسبّب الكساد لمحاصيل التمور في الجوف، بموت 100 ألف نخلة في وديان (خب والشعف)، بحسب المزارعين، ما يصيبهم بإحباط يسببه الكساد، وقد يقودهم إلى العزوف التام عن زراعة النخيل.

شكوى ومناشدة مزارعي التمور في محافظة الجوف

ويحمّل الخبير الزراعي، صديق جبريل، في حديثه لـ"خيوط"، الجهات المختصة المتمثلة بمكاتب العموم الزراعية والجمعيات التعاونية الزراعية ومؤسسات الإرشاد الزراعي، مسؤولية القصور في عدم المعرفة الكافية بأصول التمور وتسويقها بشكل تقليدي وعدم توفر مصانع تدوير التمور بالشكل المطلوب والمرغوب للباعة وجمهور المستهلكين.

يؤكد جبريل، أن أهم أسباب عدم تطوير إنتاج التمور هو غياب الرعاية الصحيحة، وغياب الجانب الإرشادي الزراعي بالمحصول والعمل على زراعة الأصناف المحسنة ذات المردود العالي، إضافة إلى غياب الاهتمام المطلوب، فتدنَّت الإنتاجية من التمور، واتجه أغلب التجار إلى استيراد بعض الأصناف المفيدة علاجيًّا وربحيًّا.

ويرى الخبير الزراعي صديق جبريل أنّ الحرب الدائرة في البلاد منذ ثماني سنوات، تسببت في تراجع زراعة النخيل، حيث أصبح مصنع تهامة لإنتاج التمور مشلولًا؛ ما انعكس سلبًا على مزارعي الجوف.

معاناة مستمرة

يعرض 11 مزارعًا قدموا من الجوف إلى صنعاء، بضاعتهم من التمور في أكياس تقليدية داخل السوق المركزي بمنطقة مذبح (شمال غربي صنعاء)، وينتظرون التجار الذين يأتون لشراء المحصول بعد أن أصيبوا باليأس إزاء الأسعار التي يعرضها المندوبون، وهي أسعار لا تلبي طموحاتهم في الربح المعقول كأقل تقدير.

السياسة التسويقية فتحت الباب على مصراعيه لاستيراد المنتجات الزراعية الخارجية، ومنها التمور، التي تصل كميات الاستيراد منها إلى ما يقارب 50 ألف طن سنويًّا، وهذا على حساب المنتج المحلي، الذي لم يحظَ بالاهتمام والرعاية والدعاية والترويج.

منصر يحيى دباح (45 عامًا)، قدم من منطقة (خب والشعف) في الجوف إلى هذا السوق المركزي، ليعرض محصوله من التمور للبيع. يتحدث لـ"خيوط"، بالقول: "نعاني من التعب والألم، نشعر بالحسرة والانكسار، نصل بالمحصول إلى صنعاء وصعدة، فلا نجد إلا "البخس" من قبل التجار الذين يتحكمون في السوق، يريدون أن نبيع بأقل الأسعار التي لا تساوي ما أنفقناه من تكاليف على محصولنا حتى أصبح جاهزًا".

يشدّد الباحث الاقتصادي، رشيد الحداد، في تعليقه على هذه القضية، لـ"خيوط"، على أهمية الاهتمام بالمحصول المحلي من التمور، معتبرًا محافظة الجوف واحدة من أهم المحافظات اليمنية الزراعية، حيث تنتج أكثر من 10 أصناف من النخيل منها الرطب والناشف وأشهرها الصقعي.

كما توجد أكثر من مليون نخلة، بحسب هذا الباحث الاقتصادي، في مديرية (خب والشعف)، ورغم ما تتميز به تمور الجوف من مميزات تفوق المستورد من حيث الجودة، فإن عملية التسويق والتغليف تجري بشكل تقليدي وغير منظم.

يتابع الحداد: "إن معدل الإنتاج الوطني من التمور في بلد يتجاوز أعداد النخيل فيها 12 مليون شجرة، لا يزال أقل من الاحتياج السنوي للتمور في السوق اليمني، ونتيجة لذلك لم تصدر قرارات حكومية خلال السنوات الماضية، تقضي بمنع استيراد التمور الخارجية وتحل التمور المحلية محلها للاستهلاك المحلي".

تمور بعد الجني والحصاد من المزارع - محافظة الجوف

طرق عشوائية

يؤكد عضو وحدة الإعلام الزراعي والسمكي باللجنة الزراعية والسمكية العليا التابعة لسلطة صنعاء، محمد صالح حاتم، في حيث لـ"خيوط"، أنّ السياسة التسويقية فتحت الباب على مصراعيه لاستيراد المنتجات الزراعية الخارجية، ومنها التمور، التي تصل كميات الاستيراد منها إلى ما يقارب 50 ألف طن سنويًّا، وهذا على حساب المنتج المحلي، الذي لم يحظَ بالاهتمام والرعاية والدعاية والترويج.

ويرجع سبب كساد التمور إلى عدم إنشاء مصانع تقوم بتنظيف وفرز وتغليف منتجات التمور كبقية دول العالم، وإلى غياب السياسة التسويقية، والإرشاد الزراعي الذي يسهم في تطوير وتحسين جودة المنتج، فما زالت زراعة التمور في اليمن بدائية، وتقليدية، وما زال يباع بطرق عشوائية، في أكياس بلاستيكية وغير مخصصة للتمور، وهو ما يقلل من منافسة التمر المحلي أمام التمر المستورد. 

ويشير إلى أنّ اللجنة الزراعية والسمكية العليا، بدأت في تنظيم زراعة التمور ودعمها والاهتمام بها، وذلك من خلال إنشاء مصنعين للتمور، أحدهما في تهامة والآخر في صنعاء، إضافة إلى مصنع في حضرموت، وستقوم هذه المصانع باستقبال كميات الإنتاج من المزارعين وتنظيفها وتغليفها بطرق صحيحة.

ولا يزال شبح الكساد يرهق مزارعي النخيل في مديرية (خب والشعف) بمحافظة الجوف، ومع قدوم الموسم الجديد يخشى المزارع أمين بن زاهرة العكيمي، الذي يجد مشاكل في بيع محصوله لهذا العام، أن يبقى الحال كما هو في الأعوام القادمة ويأمل كل المزارعين أن تساعدهم الدولة في تطوير زراعة النخيل وإنتاج التمور وتوفير مصانع للتغليف، وإيقاف استيراد التمور الخارجية.

انتاج تمور محلية في محافظة الجوف- الخب والشعف
أصناف التمور المحلية انتاج محافظة الجوف - الخب والشعف
تمور معروضة للبيع في السوق المركزي للحبوب والتمور - صنعاء
تمور معروضة للبيع في السوق المركزي للحبوب والتمور - صنعاء
تمور محصودة للبيع - مخازن محافظة الجوف

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English