اليمنيون ضحايا شركات التسلسل الهرمي

وسيلة لممارسة النصب والاحتيال
أسامة عبد الرقيب
November 23, 2022

اليمنيون ضحايا شركات التسلسل الهرمي

وسيلة لممارسة النصب والاحتيال
أسامة عبد الرقيب
November 23, 2022

"كنت أتطلّع أن أصرف على نفسي وأن أوفّر على أسرتي عناء تكاليف دراستي الباهظة، طموحات بسيطة، هدفها ألّا أنتظر المساعدة وأن أعتمد على نفسي"، بهذه الجمل ابتدأ أسامة ناجي (22 سنة)، حديثَه لـ"خيوط"، بعد أن سمع عن شركة سن ميديا (sun media)، وهي عبارة "شركة" -كما تسمّي نفسها- لتحقيق الربح عبر الإنترنت.

أسامة عرف عن الشركة بواسطة الإعلانات، ثم بواسطة أحد أصدقائه، الذي شرح له طريقة التقديم وشراء الباقات. تحمّس الشاب الحالم كثيرًا، واقترض من والده مبلغ 300 دولار، ومن أحد أصدقائه 150 دولارًا، وأضاف عليها مصاريفه الدراسية، ليتمكن من الاشتراك في باقة (Vip2) بقيمة 570 دولارًا، على أساس أن يتسلم 120 دولارًا كمبلغ تحفيزيّ تقدّمه الشركة مقدّمًا لكل من اشترك في أيّ باقة من باقاتها.

يقول أسامة: "هناك مهام على المساهِم القيامَ بها كواجب عليه، منها مشاهدة إعلانات عبر منصات يوتيوب، وفيسبوك، وتويتر، وتيك توك، قمت بالقيام به على أكمل وجه، وبعد مرور أربعة أيام من دخولي، قررت السحب من حسابي، لأتفاجأ أنّ السحب معلق. عقبه بيومين، توقفَ الموقع نهائيًّا. حاولت الدخول مرارًا، لكن بدون جدوى؛ لأنّ الموقع حُذف تمامًا من الإنترنت".

استدراج

"أدرس في كلية الطب، جامعة صنعاء، وأسكن في سكن طلابي؛ لأنّ أهلي في مديرية بعدان، محافظة إب. الآن، كل همّي كيف سأخبر أبي أنه نُصِب عليّ، وكيف سأواجه صاحبي الذي وعدته أن أسدّد له ماله عند أول استلام لأرباحي من الشركة؟!". 

تعرّض فريد المخلافي (22 عامًا) هو الآخر، للنصب بذات الطريقة التي تعرّض لها زميله أسامة، يقول المخلافي لـ"خيوط": "كنت أدّخر من مصروفي الشهري بعضَ المال، كي أشتري لنفسي هاتفًا جديدًا، حتى وصل المبلغ إلى 120 دولارًا قبل أن أعرف عن شركة (Sun media) من قبل أحد أصدقائي المقربين، الذي كان قد اشترك مسبقًا في هذه الشركة الوهمية، وشرح لي ما يجنيه من الأرباح يوميًّا، حتى أقنعني بالاشتراك بباقة (Vip1)، وأخبرني أنّ هذه الشركة حقيقية وليست وهمية، وأنّها مستمرة من عدة أشهر، وبإمكاني استعادة نقودي وتحقيق أرباحٍ عليها خلال فترة وجيزة". ويتابع المخلافي الحديث: "وما هي إلّا أيام قليلة حتى اكتشفت خبر اختفاء الشركة، التي فقدت معها نقودي ومدّخراتي التي بالكاد كنت أمتلكها لتسيير حياتي الدراسية".

خبير قانوني: "لا يوجد قانون يحد أو ينظّم التعامل مع هذه الشركات، لأنّها مسجلة بأسماء أشخاص وهميين، وليس لديها أي ترخيص من قبل الدولة التي تنطلق منها، وبالتالي حتى لو تحركت الجهات المعنية لردّ حقوق المشتركين؛ فعلى من سترفع القضية؟ إذ لا مقر ولا أشخاص حقيقيين يمكن مقاضاتهم.

وتقوم فكرة شركات التسلسل الهرمي على تكوين فريق من عدة أعضاء واستدعائهم بروابط خاصة، بحيث يدخلون عبره للتسجيل في الشركة، على أساس أن يحصل كل شخص منهم على نسبة من الأرباح في حال ضمّ أيّ مشترك في فريقه، وتختلف طرق إهداء الأرباح من شركة لأخرى، إذ تعطي بعض هذه الشركات راتبًا شهريًّا عندما يُكمِل المشترك عددًا معيّنًا من الزبائن أو المشتركين الجدد، بينما تمنح أخرى مشتركيها نسبًا معينة من الأرباح.

في البداية تغري هذه الشركات المشتركين من خلال تيسير سحب الأرباح، لكنها عندما تقرر أن تختفي تعطي عروضًا جيدة لمن أراد الاشتراك حديثًا، وترسل إشعارًا لكل المشتركين القدامى بأنه إذا لم يجدّدوا باقاتهم في أسهم الشركة خلال فترة محددة، فإنّ هذه الباقات سترتفع أسعارها، ممّا يجعل المشتركين يهرعون لتجديد الباقات، وعندما تنتهي فترة التجديد تختفي الشركة ولا يبقى لها أيّ أثر، حتى وإن استمرّ اسمها على محرك البحث (جوجل).

الاحتيال كنتيجة للحرب 

تعتبر الحروب بيئة خصبة وملائمة لانتشار مثل هذه الشركات الرقمية التسلسلية، خاصة في ظل قصور القوانين الناظمة والوعي المجتمعي اللازم، إضافة إلى غياب الرقابة الحكومية على مثل هذه الشركات. 

ليست "سن ميديا" هي الفخ الوحيد الذي نصب على آلاف اليمنيين، بل توجد عشرات الشركات الرقمية الوهمية، منها على سبيل المثال "شركة جوسيال" التي تشبه فكرتها فكرة "شركة سن ميديا"، مع اختلاف بسيط، حيث تقدّم الأولى إعلاناتها عبر منصة فيسبوك، بينما تنشر الثانية إعلاناتها عبر عدة منصات.

هذا، ويعتبر اليمنيّون من ضمن الدول الأكثر تضرُّرًا وتعرُّضًا للنصب والاحتيال، خاصة في آخر ثلاث سنوات، إذ أشار موقع "حيروت" أنّ اليمن هي الدولة الأولى عربيًّا من حيث اشتراك مواطنيها في هذه الشركات؛ نظرًا لغياب دور الدولة في حماية وتوعية الناس وتوفير استثمارات آمنة في البلاد.

عروض مغرية

بسام الحسيني (30 عامًا)، يقول لـ"خيوط": "توقفت عن العمل في فترة كورونا، حيث كنتُ أعمل في إحدى المحلات التجارية، فعرض عليَّ صديق مقرب أن أشترك في إحدى شركات التسلسل الوهمي بباقة 60 دولارًا، وأن أنضمّ في فريقه، وسأجني الأرباح وأنا في المنزل".

ويتابع الحسيني: "كلما زاد عددُ الأفراد المسجّلين في فريقك، حقّقت أرباحًا في أقصر مدة، مثلًا تحتاج أن تضمّ 18 شخصًا في فريقك لتصل لرتبة سفير، وهي أعلى رتبة في الشركة، يصل راتبها إلى 300 دولار، لذلك سجّلت عددًا من أقاربي وأصدقائي المقربين الذين يثقون بي واحدًا تلو الآخر، حتى وصل العدد إلى 18 شخصًا، كنت سعيدًا لأنّي سأصل إلى رتبة السفير، لكن الشركة اختفت فجأة، ما تسبّب لي بمشاكل معهم وأحدثت لي مشاكل مع أصدقائي".

في السياق، يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، الدكتور مطهر العبسي لـ"خيوط": "الوضع العام، وعدم وجود بيئة استثمارية مواتية قليلة المخاطر، هو ما دفع الناس للانتساب لهذه الشركات الرقمية، إلى جانب عدم وجود فرص عمل، وعدم صرف مرتبات الموظفين، وانحسار سوق العمل في القطاع الخاص".

ويتابع حديثه قائلًا: "ليس بمقدور السلطات اليمنية استعادة أموال المودِعين الذين خاطروا بأموالهم في هذه الشركات لأنّها خارج البلاد"، مشيرًا إلى ضرورة الحذر، وعدم اللهاث وراء السراب في استثمارات ليس لها أي ضمان، ولا قوانين ضابطة تحمي الحقوق من النهب والسلب. 

من ناحية قانونية تحدث الدكتور، عبدالرحمن شمسان، أستاذ القانون بجامعة صنعاء، لـ"خيوط" قائلًا: "لا يوجد قانون يحد أو ينظّم التعامل مع هذه الشركات، لأنّها مسجلة بأسماء أشخاص وهميين، وليس لديها أي ترخيص من قبل الدولة التي تنطلق منها، وبالتالي حتى لو تحركت الجهات المعنية لردّ حقوق المشتركين؛ فعلى من سترفع القضية؟ إذ لا مقرّ ولا أشخاص حقيقيين يمكن مقاضاتهم".

مارست الشركات الرقمية أعمال الاحتيال على آلاف اليمنيين، حيث إنّ البعض وصلت خسارتهم إلى أكثر من 5000 دولار، حاول مُعدّ التقرير التواصل مع عينة منهم، لكنه كان يواجَه بالرفض الشديد، مردّدين عليه: "نخاف على سمعتنا، والتعرض للتوبيخ من المجتمع المحيط بنا"، علمًا أنّ البعض اشترك وأهله غير مطلعين على اشتراكه، وذلك ما جعلهم غير راضين بالبوح عن خساراتهم، لكيلا يتعرضوا للتوبيخ والإهانة من أهاليهم.

•••
أسامة عبد الرقيب

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English