الأسئلة المؤتمتة في جامعة صنعاء

قرارٌ تم اتخاذه دون أيّ نقاش لمزاياه وعيوبه
د. إحسان شاهر
February 16, 2024

الأسئلة المؤتمتة في جامعة صنعاء

قرارٌ تم اتخاذه دون أيّ نقاش لمزاياه وعيوبه
د. إحسان شاهر
February 16, 2024
.

خلال السنتين الأخيرتين، عملت إدارة جامعة صنعاء على فرض نظام الأسئلة المؤتمتة، وقاومت بعض الأقسام العلمية، في البداية، تطبيقَه، مدافعةً عن نظام الامتحان التقليدي، ولكنها سرعان ما استسلمت للأمر الواقع.

لم تكن دوافع المتحمسين لنظام الأسئلة المؤتمتة واحدة، فإدارة الجامعة كانت مأخوذة بمزاياه الاقتصادية، الذي وفّر لها الملايين من الريالات التي تنفق في كل فصلٍ دراسيّ، على دفاتر الامتحانات وأتعاب المشرفين على سيرها.

والغريب في الأمر، أنّ إقرار نظام الأسئلة المؤتمتة وتطبيقه، جرى بشكل سريع ومن دون أيّ نقاش حول مزاياه وعيوبه وعلى أي مواد علمية يمكن تطبيقه، ولم تكن هناك أية رغبة للاستماع إلى آراء المعترضين على تطبيقه.

كانت عدم معارضة الأقسام العلمية، التي تقوم بتدريس أعدادٍ كبيرة من الطلاب، أهم العوامل التي ساعدت على إقرار وتطبيق نظام الأسئلة المؤتمتة؛ لأن هذا النظام يوفر الراحة، المريحة للأساتذة العاملين في هذه الأقسام، الذين لا يتلقون عادةً أي حافز مادي لقاء التصحيح اليدوي.

روّج أنصار الأسئلة المؤتمتة لهذا النظام، مبررين شرعيته وصلاحيته بكونه رافعة للعدالة العلمية؛ لأنه يلغي ذاتية المصحِّح، أي لا مجال فيه لتحكم الأهواء الشخصية والميول السياسية والأيديولوجية للأستاذ، في تحديد نتائج الطلاب.

وتكاد تكون هذه الحُجّة أقوى حجج المؤيدين لنظام الأسئلة المؤتمتة، ومع ذلك يجب ألَّا تفوتنا الإشارة إلى أنّ هذه الحجة تتجاهل وجود عددٍ غير قليل من الأساتذة الجامعيين النزهاء والموضوعيين، وعلى هذا لا يمكن تعميم مرض الذاتية على الجميع.

والآن، بعد أن تطرقنا إلى أهم مزايا الأسئلة المؤتمتة، ينبغي أن نذكر أهم عيوبها، بناء على خبرات العديد من الجامعات التي طبّقت هذا النظام، وبناء على التحليل المنطقي لمثالب هذا النظام.

يتيح نظام الأسئلة المؤتمتة للطالب أن يقوم باختيار الإجابة بناءً على التخمين، ومِن ثَمّ لا يمكن الركون عليه في تقييم مخرجات المقرر، ونعني بذلك مهارات الفَهم، والمهارات الذهنية، والمهارات العملية والمهنية، والمهارات العامة.

لنأخذ على سبيل المثال، عدم جدوى هذا النظام لقياس معرفة الطالب بالرياضيات: حين يقدم الأستاذ أربع إجابات أو أقل لحلّ المعادلة، ويختار الطالب الإجابة الصحيحة، فإنه لا يمكن التأكد من أن الطالب اختار تلك الإجابة من خلال معرفته بطريقة الحل؛ فلربما اختار تلك الإجابة من خلال التخمين، أو من خلال الغش، لا سيما أنّ هذا النظام يخلق ظروفًا مواتية للغش بواسطة الإشارات. 

كما تظهر عيوب هذا النظام بوضوح تامّ في العلوم الإنسانية، فكيف لي على سبيل المثال أن أعرف أن الطالب يفهم نظرية هيجل في الاغتراب، أو نظرية راسل في الأنماط، أو مبدأ التحقق في الوضعية المنطقية، أو مفهوم هايدجر للوجود، أو مفهوم هنري برجسون للحدس، وهلمّ جرًّا.

كما أنّه، من حيث المبدأ، لا يمكن أيضًا أتمتة الأدب، وفي هذا الخصوص أودّ أن أنقل كلمات الدكتورة عبير زهرة، من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين، التي تصدت مع كامل أساتذة قسمها للأتمتة، حيث تقول: "إنّ ما عزّز قناعاتنا أكثر هو تقدم طلاب من جامعة دمشق للتسجيل في التأهيل التربوي في كليتنا، وحين إجراء فحص المقابلة كانوا شبه عاجزين عن التحدث باللغة الإنكليزية أو إعطائنا أجوبة تدل على تمكنهم العلمي، رغم أنّ معدلاتهم كانت تتجاوز 65%. أؤكّد أنّ أي خريج من قسم اللغة الإنكليزية في جامعة تشرين بهذا المعدل، سيكون قادرًا، وبكفاءة، على الكتابة والمحادثة والمناقشة البنّاءة". («الأتمتة الامتحانية هزال علمي في ثياب أكاديمية»، موقع عكس السير، 22 نوفمبر 2023).

الأمر كله يتوقف على السياسة التعليمية للدولة، فإذا كان هدفها الأساسي تكوين شخصية غير إبداعية، ضعيفة في معارفها ومهاراتها الذهنية، وقليلة الفعالية في الحياة الاجتماعية والسياسية، فإن نظام الأسئلة المؤتمتة هو النظام الملائم لتحقيق تلك الأهداف.

ولا يصلح نظام الأتمتة والتصحيح الآلي لكليات اللغات فحسب، بل أيضًا لكليات الحقوق، واللغة العربية، والتاريخ، ويكفي هنا أن أورد ما قاله عميد كلية الآداب في جامعة البعث، الدكتور غسان مرتضى، حيث يقول: "إنّ أتمتة امتحانات مقررات الأدب تقضي على آخر فرصة لاختبار مدى قدرة الطالب على ممارسة مهارة اللغة ممارسة سليمة.

إنّ أتمتة مواد الأدب، شعرًا ومسرحًا ورواية وقصة قصيرة، وأتمتة مواد علم الأدب، نقدًا وأدبًا مقارنًا ونظرية أدب... إلخ، تختصر معارف الطالب وتحصرها في العناوين والأسماء والتواريخ، وتحرمه من الدخول في صلب المقررات التي يدرسها. وهنا أتساءل: كيف يتجرأ أحدهم ليؤتمت مادة القصة القصيرة، وكيف فعل ذلك؟ وكيف يؤتمت الشعر؟ أليس هذا شيئًا غريبًا؟!". (غسان مرتضى، أتمتة الامتحانات بين العلم والشائعات، موقع دام برس، 23/5/2009).

بوجه عام في الأدب، من الأهمية بمكان معرفة قدرة الطالب على التعبير ومدى معرفته بقواعد اللغة، وقدرته على صياغة أفكاره بطرق بلاغية، وهذا لا يمكن معرفته على الإطلاق من خلال الأنظمة المؤتمتة، التي تركز فقط على معلومة محددة.

وقد لوحظ أنّ الاتكال الكامل على الأسئلة المؤتمتة في بعض الجامعات، قد أفقدَ الطلاب المتخرجين منها القدرةَ على الكتابة السليمة والتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم دون أخطاء نحوية وإملائية، هذا فضلًا عن ركاكة أسلوبهم. 

كنّا قد تحدثنا آنفًا عن أهم عيوب الأسئلة المقالية، وهو عيب ذاتية المُصحِّح، الذي قد يـرتكز في تصحيحه للدفاتر الامتحانية على موقف أيديولوجي أو سياسي مُعيّن، أو قد يتعرض لتأثير العصبيات الشائعة، وأبرزها العصبية الجهوية والعصبية الطائفية.

بالإضافة إلى هذا العيب، يشير الباحثون إلى عددٍ من العيوب، ومنها لجوء الكثير من الطلاب في إجاباتهم إلى الحشو، وتأخذ الإجابات في هذا النوع من الأسئلة، وقتًا طويلًا، وقد يؤثر الخط الجميل والتلوين على تقدير الأستاذ لنتائج طلابه.

وبالرغم من ذلك، فإنّ للاختبارات المقالية مزايا جوهرية؛ لأنها تكشف لنا قدرة الطالب على التعبير عن أفكاره بلغة سليمة، وترتيبها ترتيبًا منطقيًّا، ومعرفته وقدرته على استخدام مناهج وتقنيات البحث العلمي، ويتيح ذلك تقييم مستوى امتلاكه للتفكير النقدي والإبداعي، وإلمامه بفنّ التحليل، ويقضي نهائيًّا على إمكانية ممارسة أسلوب التخمين. 

مما تقدَّم، يتضح أفضلية الأسئلة المقالية على الأسئلة المؤتمتة، ويمكن، من حيث المبدأ، التغلبُ على عيوب الأولى من خلال الجمع بينها وبين الأسئلة الموضوعية، وأخذ مشاركة الطالب في السمنارات العلمية وتنفيذه للتكاليف المختلفة، بعين الاعتبار عند تقدير النتائج النهائية للطلاب.

وخلاصة القول؛ إنّ الأمر كله يتوقف على السياسة التعليمية للدولة، فإذا كان هدفها الأساسي تكوين شخصية غير إبداعية، ضعيفة في معارفها ومهاراتها الذهنية، وقليلة الفعالية في الحياة الاجتماعية والسياسية، فإنّ نظام الأسئلة المؤتمتة هو النظام الملائم لتحقيق تلك الأهداف.

أما إذا كان الهدف الأساسي للعملية التعليمية هو خلق الشخصية الإبداعية، القادرة على استيعاب المعرفة العلمية استيعابًا عميقًا، وإعادة الإنتاج الموسع لها من خلال البحث العلمي، وربط المعرفة بالحياة، فإن المقترح، الذي ذكرناه آنفًا، هو المدخل الفعلي المناسب للوصول إلى ذلك الهدف.

وحين تبلغ الجامعات اليمنية درجةً عالية من التطور العلمي والتنظيمي والإداري، يمكن إلغاء الاختبارات والامتحانات التحريرية، والاستعاضة عنها بالاختبارات والامتحانات الشفهية، على غرار النظام المعمول به في الجامعات والمعاهد العلمية في روسيا الاتحادية، التي لا مجال فيها بتاتًا للغش، ويمكن فيها قياس فَهم الطالب لجوانب عديدة ومتنوعة من المقرر في وقت قصير للغاية.

إنّ الإصرار على تطبيق نظام الأسئلة المؤتمتة في الجامعات اليمنية، ليس سوى تجربة المجرَّب، ولا يريد أنصاره الاطلاعَ على تجارب الجامعات العربية والأجنبية التي أثبتت فشلَه الذريع في تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية.

•••
د. إحسان شاهر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English