بُزوغ "الصَّمَرْقَع" في عدن

وأُفول حلاوة "التحالف"
شروق ناصر
September 20, 2022

بُزوغ "الصَّمَرْقَع" في عدن

وأُفول حلاوة "التحالف"
شروق ناصر
September 20, 2022

بسطت السياسية نُفُوذها على كل شيء في اليمن، حتّى على أسماء المنتجات الاستهلاكية، وبدأ الأمر عند دخول التحالف العربي الحرب في اليمن؛ لدعم الشرعيَّة المُعترف بها دوليًّا. واحتفاءً بهذه المناسبة ابتُكِرت حلوى في عدن سُميت بـ(حلاوة التحالف)، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، بل سُمّيت الشوارع، وعدد من المحال، والأسواق، بأسماء التحالف بقيادة السعودية والإمارات، مثل: (قطعة من الإمارات)، (الأناقة الإماراتيَّة)، (شارع الملك سلمان)، ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إنّ السياسة غزت حتّى مساحيق الغسيل، ومعجون الطماطم، فظهرت مُسمّيات لمنتجات جديدة ذات طابع سياسي في الأسواق اليمنيَّة التي تقع في المناطق الخاضعة افتراضيًّا للحكومة المعترف بها دوليًّا، ومنها: (سكريم عاصفة الحزم)، (صابون الساحل الغربي)، (صلصة الساحل الغربي)، (صابون الصَّمرْقع) وغيرها من المنتجات والسلع. 

لا تعني العلاقة الاعتباطيَّة بين الاسم وما يدل عليه أن نقع في شرك التقليل من قيمة الأسماء؛ يقول وليام إسحاق توماس: "الأسماء تحمل طاقة معنَى بالتأكيد. وهي تحرك كل افتراضاتنا المُسبقة وأحكامنا الخفيَّة حول الهُويَّة الجسدية البيولوجية والمنشأ الاجتماعي والانتماء الطبقي والاعتناق المذهبي"(1).

وتأتي أسماء المُنتجات في الأسواق اليمنيَّة، وفقًا للهجة المحكيَّة، أو تحمل اللفظ ودلالته كما جاء من بلد المنشأ، كما توجد مُنتجات يمنيَّة حملت اسم مالك المنتج أو مستورده، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: شاي الكبوس، شاي ردمان، مُنتجات النقيب بمختلف أنواعها، وأصناف أخرى. 

ولم يُعلّق المُستهلك اليمني على أسماء هذه المنتجات؛ وهو الأمر الذي اختلف مع التسميات التي أُطلقت على عدد من المنتجات المتواجدة في الأسواق اليمنيَّة بعد اندلاع الحرب، والتي حملت بُعدًا سياسيًّا.

حلاوة التحالف بطعم العدوان

مع بداية الحرب في اليمن وهزيمة "الحوثيين" في عدن، وإخراجهم منها في يوليو/ تموز 2015، اشتهرت حلاوة سميت باسم (حلاوة التحالف)، ولاقت رواجًا بين الناس وارتبطت شهرتها بدخول التحالف بقيادة السعودية والإمارات لمساندة الحكومة الشرعيَّة في اليمن.

ولأن اسم هذه الحلاوة في حد ذاته مرتبط بحدث عسكري وسياسي، فإنّ نطاق بيع هذه الحلوى اقتصر على مناطق الحكومة المعترف بها دوليًّا، أما في مناطق سيطرة "الحوثيين"، فكان إدخال هذه الحلوى إلى صنعاء قد يؤدي بصاحبه للسجن، وهو ما أدركه اليمنيون في تلك المناطق وعبّرت عنها تعليقاتهم الطريفة، ومنها قول أحدهم: "من بيتجرأ يفتح بصنعاء محل يسميه التحالف أو النصر؛ يسميه حلاوة العدوان". 

وفي صفحتها على فيسبوك، عرضت فتاة بيع أصناف من الحلويات العدنيَّة لبيعها في صنعاء، ومن بين هذه الحلويات (حلاوة التحالف)، فردَّت فتاة على منشورها مُعلّقة بسخرية: "لو تفتكري إنك بعدن والاسم هذا يلعب معانا، فانتي غلطانة سميها حلاوة تُوشكا، حلاوة النصر، وابسري كيف عاتبتاع".  

الطريف في الموضوع أنّ الفتاة فعلًا غيَّرت اسم الحلاوة عندما تُرسلها إلى صنعاء، وسمَّتها حلاوة "النصر"، نسبة إلى محل بيع الحلاوة الشهير في الشيخ عثمان، في محافظة عدن. 

عند كتابة (الصمرقع)، على محرك البحث جوجل تظهر لك نتائج تتعلق بصور وأخبار أحمد سعيد بن بريك، كما تظهر لك النتائج صور لمسحوق غسيل (الصمرقع)، وقد أحدثت تسمية مسحوق غسيل الملابس بالصمرقع الكثيرَ من المنشورات الطريفة على هذا الاسم؛ كونه يرتبط بشخصية سياسية، ومن التعليقات الساخرة: "شكل صاحب المصنع قائد لواء"، "عاد الحرب مطولة، صابون الصمرقع؛ برائحة الليمون".

وعن شكل هذه الحلاوة ولونها، فهي مكونة من طبقتين: طبقة بيضاء، وطبقة سوداء، وورد أنها موجودة بهذا الاسم قبل وجود التحالف، ولكن شُهرتها جاءت مع دخول التحالف العربي لليمن، ومن التعليقات الطريفة على طعم الحلاوة: "حلوة بالطعم، بس الاسم يغثي"، ولم تخلُ التعليقات من كلمات عنصرية، ومعادية، حيث علَّقت إحداها على اسم الحلاوة: "حلاوة التحالف؟ ليت الكرامة تشترى!"، في دلالة على أن من يشتري الحلاوة بلا كرامة، واتفقَ معها تعليق آخر، مؤكدًا على وجود حلاوة باسم التحالف ووصفها بأنها "ترفع السكر، وتُسبب غيبوبة سكر، واللي يأكلها يصبح مرتزق عبد أخجف"، فيما علق آخر مازحًا: "سموها حلاوة العدوان"، ونشر أحدهم منشورًا يتهكم فيه على التحالف: "اليوم اشتريت التحالف بـ250، وأكلتهم كلهم. أتكلم على حلاوة التحالف". 

"حلاوة التحالف" مرارة الخذلان

توقفت أمام محل بيع الحلاوة، لتقصي الآراء حول "حلاوة التحالف"، وإذا بامرأة تنهر طفلها عندما طلب منها حلاوة التحالف، وتقول للبائع: "جيب له بمئتين لدو (حلاوة هندية)، اللدو كثير بمئتين أما حلاوة التحالف بيعطيك قطعة صغيرة بتشلها بلقمة واحدة وبمئتين، بدت على ملامح الطفل الرفض لاقتراح والدته، لكنه سكت وطأطأ رأسه رافضًا، فكان صوتها أشد قسوة، وكررت له: "تشتي لدو وإلَّا لا؟"، وأضافت: "بطلنا حلاوة التحالف، شفنا المُرّ منهم"، وغادرت المحل تسحبه باكيًا وهو يصرخ: "يا أماه، اشتي التحالف... اشتي حلاوة".

كان الاحتفاء بتسمية هذا النوع من الحلاوة متوازيًا مع استعادة عدن من قبضة "الحوثيين" بمساندة التحالف العربي؛ غريب هذا الربط بين الشيء ودلالاته.

ربط مواطنون أملهم بهذه المساندة حتى إنّهم أطلقوا على الحلاوة التي تُعدُّ جزءًا من الثقافة الشعبية اليمنية بمُسمياتها وأنواعها المختلفة، اسمَ حلاوة التحالف، ولاقت حلاوة التحالف شهرة بطعم النصر الذي تحقق في عدن -أو هكذا اعتقد ناسها البسطاء- حلاوة بلون وطعم مختلف، ومرّت الأعوام وتجاوز الناس حلاوة التحالف وفقدت طعمها المميز. 

يقول محمد منصور، مالك محل لبيع الحلاوة: "في بداية استعادة عدن من قبضة الحوثيين كان الناس يتزاحمون على شراء حلاوة التحالف، لكن اليوم أصبح الطلب عليها قليلًا، بعكس حلاوة الهريسة، والخلطة، وحلاوة اللبن، المعروفة لدى اليمنيين".

ويضيف منصور: "لا أدري كيف دخل هذا الصنف من الحلاوة إلى السياسة، فنحن على باب الله؛ نحاول أن نبتعد عن الصراع والسياسة التي يحاول الكثير إقحامنا فيها، فنحن في بلد لا تُحفظ فيها أي حقوق أو أملاك". 

صابون الصمرقع برائحة الليمون

ارتبطت لفظة الصمرقع بـ(أحمد سعيد بن بريك)، مُحافظ محافظة حضرموت سابقًا، ورئيس الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي، حاليًّا، واشتهرت عند حديثه قائلًا: "أنا وعيدروس الزبيدي بانجيب لهم الصمرقع"، - أي الجنون- وأصبحت الصمرقع لقبًا يُعرف به بن بريك، كما لاقت لفظة "الصمرقع" انتشارًا ملحوظًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر وتيك توك، واتخذ عدد من الأشخاص "الصمرقع" اسمًا مستعارًا لهم على هذه المنصات. 

وقد جاء تصريح بن بريك في ظل الصراع الدائر بين المجلس الانتقالي والحكومة والرئاسة المعترف بها دوليًّا بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، قبل قرار تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وما أفضى إليه اتفاق الرياض من دخول المجلس الانتقالي كشريك في الحكومة؛ وأحد مكونات الحكومة المعترف بها دوليًّا حزب الإصلاح، عندما احتدم الصراع المستمر إلى يومنا هذا بين هذه الأطراف.

ومن حيث المعنى العام الذي يُعرف به الصمرقع فهو: الوجع في الرأس، كما تتداول هذه الكلمة في دول الخليج العربي بـ(صمركع، صمرقع)، بمعنى: ألم ودوخة بالرأس، ودائمًا ما تتداول مع جملة: "جبت لي الصمرقع"، وفي المعنى الشامل لكلمة الصمرقع أنه: "مرض يُصيب الإنسان باضطراب عقلي".

عند كتابة (الصمرقع)، على محرك البحث جوجل تظهر لك نتائج تتعلق بصور وأخبار أحمد سعيد بن بريك، كما تُظهِر لك النتائج صورًا لمسحوق غسيل (الصمرقع)، وقد أحدثت تسمية مسحوق غسيل الملابس بالصمرقع الكثير من المنشورات الطريفة على هذا الاسم؛ كونه يرتبط بشخصية سياسية، ومن التعليقات الساخرة: "شكل صاحب المصنع قائد لواء"، "عاد الحرب مطولة، صابون الصمرقع؛ برائحة الليمون".

فيما أكّد أحدهم على مصداقية الجملة المُكررة التي ترتبط بالصمرقع: "إذا قالت الزوجة إن زوجها جاب لها الصمرقع، صدقوها".

أما المعنى الجديد المضاف للصمرقع بعد نزول مسحوق غسيل الصمرقع، فقد فسّرها أحدهم بأنها تعكس أصدق تعبير على واقع المرأة اليمنيَّة بشكل عام، لا سيما في المناطق المحررة التي لا تتوفر فيها الكهرباء التجارية، وتعتمد أساسًا على الكهرباء العمومية، فإن انطفاء الكهرباء المُفاجئ، أثناء غسيل الملابس، وفي اليوم الذي يأتي به الماء من المشروع، فإن الصمرقع هو واقعها، لا سيما وهي تغسل بمسحوق الصمرقع، "هذا حال من تُصبن وتطفي الكهرباء، يطلع لها الصمرقع".

بالنسبة لفاعلية ورائحة الصابون، وهو ما تركز عليه الإعلانات المموّلة لمساحيق الغسيل، فرواد السوشل ميديا في اليمن، عملوا على التوظيف السياسي الساخر، وكتب أحدهم: أنصح باستخدام الصمرقع؛ لأنه "غني بالكحوليات البريطانية المركزة"، وربط آخر بين الفكرة الإعلانية عن مساحيق الغسيل وقدرته على التنظيف، كونها غنية بالمطهرات والإضافات وغيرها، وبين أحمد سعيد بن بريك الذي اشتهر في الوسط السياسي الإعلامي "بطريقة ظهوره المثيرة للجدل"، وهو ما يفسر بعض تعليقاته وأحاديثه، فيما رد آخر على التعليق "إن الصابون فعَّال؛ لأنه يزيل كل الأوغاد".

غالبًا ما تأتي دلالة الاسم مُرتبطة بنظريتين: السببيَّة، والوصفيَّة، والسؤال الذي يمكن أن نطرحه في حالة المُسميَّات التي جاءت تعكس الحالة السياسيَّة في اليمن، من يؤثر بالآخر، الاسم أم المُسمى؟

يبدو أننا ابتعدنا فيما نُطلقه من أسماء عن الاعتباطية، كقولنا كرسي على ما نجلس عليه، وهو ما ينفي أنّ الكرسي كدال ممكن أن ينعكس سلبًا أو إيجابًا، أو حتَّى يرتبط بالمسمى، إلَّا من قبيل تواضع واصطلاح الناس وتوافقهم على تسميته.

تُظهر لنا التعليقات السابقة مدى صعوبة أن ننفي العلاقة التي تربط الاسم بالمسمى، صحيح أنّ هناك علاقة اعتباطية تنشأ بين الاسم والمسمى، لكن في اليمن جاءت أسماء المنتجات الاستهلاكية، مُعبرة عن العلاقة القصديَّة بين الاسم ودلالته السياسية، الأمر الذي يؤكد أنه "من المستحيل أن نُبرّئ أفكارنا المسبقة من تأثير معاني الأسماء، وهذا التأثير حتمي. المحيط الاجتماعي الذي يعيشُ فيه المُسمى هو الذي يُقرّر، اختصاره بالاسم"(2). 

ولهذا انعكست على التعليقات، لا سيما التهكميَّة، منها الكثير ممّا يُعرف عن بن بريك. 

نشر محمد الباز (خبير في إدارة البزنس)، في 6 أغسطس/ آب 2021، مقالًا طويلًا تحدث فيه عن الحملة الإعلاميَّة التي تزامنت مع طرح منتج شاي الكبوس في مصر، وعنونه بـ: "عندما يساعدك اختيارك الخاطئ لاسم مشروعك!"(3).

هكذا كان رد فعل الجمهور المصري عند مشاهدتهم لإعلان "شاي الكبوس" خلال رمضان 2020، وعلى الرغم من أنّ الدعاية الإعلانيّة لم تكن موفقة من حيث التفريق بين (الكبُّوس) بتشديد الباء -أي القبعة، وهي مشهورة عند دول الخليج- و(الكبوس) بدون تشديد الباء، والتي تقترب من كلمة الكابوس -أي الحلم المزعج- كما اعتقد عدد من المصريين، وبين اسم صاحب المنتج نفسه وهو رجل الأعمال حسن الكبوس، وعلى الرغم من أن لفظة الكبوس جديدة على المصريين إلَّا أن "الترند" المصري، بالإضافة إلى جودة المنتج نفسه –بحسب ما ورد من التعليقات والتجارب الذي شاركها رواد مواقع التواصل الاجتماعي المصريين- انعكس إيجابًا على شهرة المنتج في السوق المصرية.

يقول الباز: "قبل هذا الإعلان، لم تسمع شريحة كبيرة من الجمهور المصري عن شاي الكبوس، حيث ساهمت الدعاية السلبيَّة التي تعرّض لها المنتج بفضل اسمه، لتصدره الترند!"(4)، إلَّا أن الأمر لا يمكن أن ينطبق على مسحوق غسيل الصمرقع، أو الساحل الغربي، لعدة أسباب؛ أبرزها أن اسم الكبوس أو غيره لا تعكس محمولًا سياسيًّا أو توحي بطرف من أطراف الصراع، على العكس من ذلك صابون الصمرقع الذي ربطه عدد من المغردين بالتوجه الانفصالي والمناطقي للمجلس الانتقالي.

إنّ الصدع الذي أصاب النسيج المجتمعي اليمني، وصل إلى إقحام التوجه السياسي لاستهداف المُستهلك وفق توجهات الجماعات المُسيطرة في المناطق المُحررة، دون مراعاة خصوصيَّة المجتمع في اليمن، أو اتباع خطة إعلاميَّة تستقطب المستهلكين، لدينا صابون الصمرقع، وماء الجنوب، هذه الأسماء وغيرها وإن عبَّرت عن محمول سياسي، لكنها لم تستطع أن تقدم نفسها كمنافس قوي أو بديل لمنتجات معروفة ومتواجدة في الأسواق اليمنيَّة، المسألة في سوق العرض والطلب لا تُقاس بتوجه مُختلف، أو بسياسي مشهور، وإنما بجودة المنتج نفسه، وبقدرة الاسم والعلامة التجاريَّة على استهداف المستهلكين بمعزل عن توجهاتهم وبما لا يستفز حفيظتهم. 

الهوامش:

(1) (الاسم والمُسمَّى): دارا عبدالله، 17 فبراير 2021م، العربي الجديد alaraby.co.uk.

(2) المرجع نفسه.

(3) عندما يساعدك اختيارك الخاطئ لاسم مشروعك!، محمد الباز.

(4) المرجع نفسه.

•••
شروق ناصر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English