خزان صافر العائم يهدد بيئة البحر الأحمر

أكثر من مليون برميل نفط على سفينة متهالكة منذ 10 سنوات
محمد راجح
July 4, 2020

خزان صافر العائم يهدد بيئة البحر الأحمر

أكثر من مليون برميل نفط على سفينة متهالكة منذ 10 سنوات
محمد راجح
July 4, 2020

في مياه البحر الأحمر العائمة ترسو سفينة يمنية ضخمة على متنها أطنان من النفط، يعيش بسببها العالم في حالة ترقب وذعر من كارثة بيئية واقتصادية في بحار عدد من دول البحر الأحمر.

هذه السفينة التي تسمى بـ”خزان صافر” العائم في ميناء رأس عيسى النفطي -أحد موانئ البحر الأحمر اليمنية الثلاثة إلى جانب الصليف وميناء الحديدة- يتفاقم وضعها الخطير منذ ما يقارب خمس سنوات. غير تطورات المشهد التي بدأت تزداد سخونة منذ نهاية العام 2019 تحديداً، حيث ارتفعت الأصوات المحذرة من خطرها الكارثي الذي سيصيب مياه البحر الأحمر، من المندب إلى أبعد من قناة السويس في مصر.

 قصة هذا الخزان العائم وتفاصيلها، أصبحت قضية مهمة مثار جدل واسع، بعد أن قفزت لتكون ورقة رئيسية في الصراع الذي تشهده اليمن بين طرفي الحرب؛ الحكومة المعترف بها دولياً وأنصار الله (الحوثيين)، مع ارتفاع وتيرة التحذيرات الدولية والأممية التي تدق ناقوس الخطر في حال تُرك هذا الخزان دون تدخل لصيانته وإيجاد الحلول لإزالة خطورته.

في وقت متأخر من مساء الإثنين 29 يونيو/ حزيران 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي بموافقة جميع أعضائه البالغ عددهم 15 دولة، بياناً مهماً أعربوا فيه عن شعورهم “بالقلق العميق، إزاء استمرار الحرب وبطء وتيرة المفاوضات في اليمن”، ودعوا “الأطراف المعنية” إلى “الاستئناف العاجل” لها. وحملت الفقرة الثالثة من البيان إثارة المجلس لوضعية خزان صافر العائم، وهو ما يشير إلى أهمية هذه القضية التي لا تقل شأناً عن الحرب والصراع الدائر في اليمن. أعرب المجلس عن انزعاجه الشديد من تزايد خطر انفجار سفينة صافر النفطية، ما قد يتسبب بكارثة بيئية واقتصادية كبيرة على اليمن وجيرانه، وشدد البيان على ضرورة أن يسمح أنصار الله (الحوثيون) بوصول خبراء الأمم المتحدة إلى الناقلة لتقييمها “دون قيد أو شرط”.

وتعتبر سفينة صافر المصنعة في اليابان عام 1976، ناقلة نفط ضخمة يصل وزنها الساكن إلى نحو 400 ألف طن، وتبلغ سعتها حوالي 3 ملايين برميل من النفط الخام.

ما يعرف بخزان صافر، هو عبارة عن محطة التصدير الرئيسة للنفط الخام الخفيف الذي كان يستخرج من بعض القطاعات النفطية الواقعة في المناطق الشرقية من اليمن، مثل (القطاع 18) في منطقة صافر بمحافظة مأرب شمال شرق اليمن، و(القطاع 9) في منطقة مالك بمحافظة شبوة (جنوب شرق). غير أن ضخّ النفط الخام إلى الخزان العائم، توقف في مارس/ آذار 2015، مع بداية التدخل العسكري للسعودية والإمارات، ودول أخرى في اليمن.

واطّلعت “خيوط” على وثائق تؤكد انتهاء العمر الافتراضي لسفينة صافر النفطية منذ ما قبل الحرب بأكثر من أربعة أعوام، ورغم ذلك استمر استخدامها إلى حين تنفيذ مشروع كانت حكومة باسندوة، المتشكلة على إثر ثورة 11 فبراير/ شباط 2011، وافقت على تنفيذه. ويتضمن المشروع بناء خزانات بديلة لخزان صافر العائم، والذي كان يعتبر خارج الخدمة وفق المعايير المتبعة في تحديد عمره الافتراضي، كما لم يكن يخضع لعمليات صيانة.

سفينة صافر تعتبر خارجة عن الخدمة منذ حوالى 10 سنوات، وتحوي أكثر من مليون و200 ألف برميل من النفط الخام، وتفكيكها يتطلب تفريغ النفط منها، وهي عملية عالية الكلفة، حسب خبراء نفط

 وحسب الخبير الفني السابق في شركة صافر اليمنية، مصطفى حميد، فإن وضع سفينة صافر خطير للغاية، وينبغي التعجيل بتفريغها. ليس بهدف صيانتها، بل لتفكيكها والتخلص منها. وأضاف حميد في حديثه لـ”خيوط”، أن عملية تفريغ وتفكيك السفينة عالية الكلفة بحيث تتطلب تدخلاً دولياً وأممياً لتمويل هذه العملية، موضحاً أن جدار السفينة وأنابيب الخزان متآكلة وسهلة التفتت.

فواز قائد، خبير هندسي في إحدى الشركات النفطية اليمنية، تحدث أيضاً لـ”خيوط”، عن أهمية إجراء صيانة شاملة للسفينة، لمنع حدوث أي تسرب منها، إلى معالجة مشكلة “الغلايات البخارية” وتزويدها بمادة المازوت لمنع أي حريق أو انفجار، ومن ثم تنفيذ المراحل الأخرى التي تؤدي في النهاية إلى تفكيك هذه السفينة الضخمة.

أصل الحكاية وتجاذبات الأزمة

 في العام 1988، قامت شركة صافر اليمنية الحكومية بوضع السفينة (SEPOC) بشكل دائم قبالة ميناء رأس عيسى النفطي، على بعد 4.8 أميال بحرية (8 كم) من الساحل اليمني على البحر الأحمر، وربطتها بخط أنابيب تصدير النفط من مأرب شرق اليمن، والممتد بطول 430 كم، مع تجهيزها بمعدات تتيح نقل النفط الخام إلى سفن شحن ونقل أخرى في عرض البحر.

وتحوي سفينة صافر منذ مارس/ آذار 2015، كميات من النفط الخام الجاهز للتصدير، تقدر بما يزيد على مليون و200 ألف برميل، إذ أدى نشوب الحرب إلى سحب الموظفين من على متنها، وإنهاء أعمال الصيانة الدورية التي كانت تكلّف، حسب وثائق رسمية اطّلعت عليها “خيوط”، ما يزيد على 10 ملايين دولار سنوياً.

وتتهم الحكومة المعترف بها دولياً، والتي أصدرت عبر وزارة خارجيتها نحو 10 بيانات وخطابات رصدتها “خيوط” ومنذ ديسمبر/ كانون الأول 2019، صدرت عن الحكومة المعترف بها دولياً ما يقارب 10 بيانات وخطابات وتصريحات، تتهم سلطات أنصار الله (الحوثيين) بمنع تصدير نفط خزان صافر العائم، وعدم السماح لفرق الصيانة بالوصول إليه.

وفي آخر خطاب وجّهته وزارة الخارجية في حكومة عدن، إلى الأمم المتحدة، نهاية يونيو/ حزيران 2020، قالت فيه إن وضع خزان سفينة صافر العائمة في رأس عيسى، أصبح في غاية الخطورة أكثر من أي وقت مضى، ما قد يؤدي إلى غرق أو تسريب أو انفجار الخزان في أي لحظة.

في حال تسرب النفط الخام من سفينة صافر، سيقضي على التنوع البيولوجي والبيئي في أكثر من 100 جزيرة يمنية على البحر الأحمر، ويحيل 126 ألف صياد يمني إلى البطالة، ويقتل 969 نوعاً من الأسماك

وأفاد خطاب خارجية هادي، بأنه حدث مؤخراً تسرب للمياه داخل الخزان، وأن “الطرف الآخر” يرفض السماح لفريق الأمم المتحدة بصيانته، متهماً جماعة أنصار الله (الحوثيين) بـ”المساومة بهدف الحصول على مكاسب سياسية برغم الموافقة الحكومية على كل مبادرات المبعوث والأمم المتحدة”.

وحسب مسؤول في الحكومة المعترف بها دولياً، طلب عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ”خيوط”، فإن تسرب المياه الذي حدث مؤخراً في السفينة العملاقة، “ينبئ بكارثة أكبر في حال استمر الطرف الآخر برفض دخول فرق التفتيش الأممية لإجراء عمليات الصيانة اللازمة للسفينة”- حسب تعبيره.

بالمقابل، تواصلت “خيوط” مع أكثر من مسؤول سياسي ونفطي في حكومة صنعاء، للاستفسار عن وضعية السفينة، والاتهامات الموجهة للحكومة التابعة لأنصار الله (الحوثيين) بمنع فرق التفتيش والصيانة اليمنية والأممية، من الوصول إلى سفينة صافر العائمة في المياه اليمنية على البحر الأحمر.

وفي حديث لـ”خيوط”، رفض مسؤول في وزارة النفط في حكومة صنعاء، اتهامات الحكومة المعترف بها دولياً، بخصوص سفينة صافر، معتبراً إياها “غير منطقية”. وقال إن “من يمنع تصدير النفط ووصول فرق الصيانة، وقبل هذا وقود المازوت لتشغيل معدات منشآت الخزان، هو تحالف السعودية والإمارات”- حسب تعبيره.

وتصر حكومة صنعاء على ضرورة بيع النفط الخام الموجود في خزان صافر العائم برأس عيسى، والاستفادة من العائد في إنشاء خزانات نفطية بديلة، كما تتهم “التحالف العربي” بالتسبب في توقف أعمال الصيانة في السفينة المتهالكة.

وترى صنعاء أن مشكلة سفينة صافر يجب حلّها في إطار منظومة حلول شاملة لملف النفط في اليمن، من حيث عمليات الإنتاج والتصدير والاستكشاف وعائدات التصدير، وكذلك، حل مشكلة منع وتفتيش السفن المحملة بالمشتقات النفطية التي يتم استيرادها من تفريغ حمولتها إلى المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله (الحوثيون).

 وتستمر أزمة المشتقات النفطية في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) للأسبوع الثالث على التوالي، ما أثر على أداء بعض القطاعات الحيوية، كالصحة والكهرباء والمياه، كما أدت الأزمة إلى ازدهار السوق السوداء، وبلغ سعر صفيحة البنزين سعة 20 لتراً، 20 ألف ريال.

تحذيرات من أضرار كارثية

لا تتوقف الأمم المتحدة عن إطلاق التحذيرات للوضعية المتدهورة لسفينة صافر النفطية العملاقة، والتي قد تمتد آثارها، في حال حدوث تسرب للنفط، من باب المندب إلى قناة السويس.

وقال مارك لوكوك، منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، إن العمل “يجري على قدم وساق” مع مكتب مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، للحصول على موافقة سلطات أنصار الله (الحوثيين) لإرسال بعثة فنية بقيادة الأمم المتحدة، لتقييم الوضع، وإجراء إصلاحات أولية على الناقلة. وسيحدد التقييم الخطوات الضرورية التالية، والتي تتضمن استخراج النفط بأمان.

وحسب معلومات أوردها موقع “حلم أخضر” المتخصص في البيئة، أن وضعية سفينة صافر تهدد أكثر من 100 جزيرة يمنية على البحر الأحمر قد تفقد تنوعها البيولوجي وتخسر موائلها، إضافة إلى فقدان ما لا يقل عن 126 ألف صياد يمني، لمصدر دخلهم الوحيد في مناطق صيد الأسماك، وفقدان نحو 850 ألف طن من المخزون السمكي في المياه اليمنية على البحر الأحمر، و969 نوعاً من الأسماك في المياه اليمنية التي سيقتلها النفط الخام في حال تسربه.

في نفس السياق، قال السفير البريطاني لدى اليمن، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، إن خزان صافر، ناقلة النفط العائمة في ميناء رأس عيسى بمحافظة الحديدة غربي اليمن، يهدد بتدمير البحر الأحمر وسواحله.

وأضاف آرون أن تسريب 20 ألف طن من الوقود تسبب بأضرار هائلة بسيبيريا في روسيا، بينما الناقلة صافر في اليمن تحتوي ما يقارب 150 ألف طن من النفط الخام.

•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English