"كوفيد-القذائف" يزهق حياة سجينات تعز

الضحايا وأقاربهن يصفون لـ"خيوط" تفاصيل اليوم الدامي
قسم التحقيقات
April 14, 2020

"كوفيد-القذائف" يزهق حياة سجينات تعز

الضحايا وأقاربهن يصفون لـ"خيوط" تفاصيل اليوم الدامي
قسم التحقيقات
April 14, 2020
||||
  • محمد مقبل الكمالي
  • مها عون

كانت الساعة الرابعة و20 دقيقة، من عصر الأحد 5 أبريل/ نيسان 2020، عندما وقعت المجزرة. كانت تلك إحدى الأماسي الدافئة لمدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، حيث تشير توقعات الطقس في المنطقة إلى اقتراب درجة الحرارة من 25 درجة مئوية. بين الحين والآخر، تمر المركبات المحملة بالمواد الغذائية والمسافرين، بينها ناقلات مياه، على الخط العام الذي يربط المدينة بضواحيها الغربية والجنوبية.

  يعتبر هذا الخط السريع، الشريان الوحيد الذي يمد المدينة المحاصرة بالحياة منذ أكثر من خمس سنوات. فمع دخول محافظة تعز، الحرب، بين قوات الحكومة المعترف بها دولياً وفصائل مسلحة تابعة لها من جهة، وجماعة أنصارالله (الحوثيين) وقوات الرئيس السابق صالح من جهة أخرى، أحكم الحوثيون والقوات الموالية لهم في نهاية يونيو/ حزيران 2015، سيطرتهم على منافذ المدينة وفرضوا حصاراً خانقاً على سكانها، ومن ذلك المنفذ الغربي للمدينة، الذي يصلها بالمديريات الجنوبية ومدينة عدن.

  بعد معارك كرّ وفرّ عادت قوات الحكومة المعترف بها دولياً، وأعلنت في أغسطس/ آب 2016، تمكّنها من فتح هذا المنفذ أمام حركة البضائع والمسافرين، لكن المخاطر بقيت قائمة على المدنيين والمساعدات الإنسانية، مع اندلاع معارك بين الطرفين بين وقت وآخر، خاصة في جبل (هان)، المطل على هذا الخط الحيوي.

  تنتشر على طول هذا الطريق منشآت حيوية لتخزين النفط والغاز، ومبنى الرعاية الاجتماعية، والسجن المركزي بالمدينة، وكلها طالها دمار الحرب. فالبوابة الرئيسية للسجن المركزي (وهو أكبر إصلاحية في المحافظة) تعرضت لقصف وتدمير في 30 يونيو/ حزيران ،2015 اتُّهم بتنفيذه أنصار الله (الحوثيون)، وأعقب ذلك القصف فرار جماعي لما يزيد عن ألف سجين متهمين ومدانين بالكثير من القضايا.

  وعلى فترات متباينة تعرض السجن، في ظل سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دولياً عليه، للعديد من الهجمات آخرها في الأول من أبريل/ نيسان 2020، حيث تعرّض لقصف مدفعي على إثر المعارك الدائرة في محيط جبل (هان)، والذي يبعد مسافة كيلومترين اثنين من السجن.

  وعلى مسافة تقارب ربع كيلومتر، في الجانب الشرقي للسجن، تتخذ قوات من اللواء 17 مشاة (التابعة للحكومة المعترف بها دولياً) من مجمع الرعاية الاجتماعية مقراً مالياً وإدارياً، بينما تبدو المسافة أقل من ذلك في الاتجاه الشمالي، بين السجن ومنشأة "سد الجبلين" النفطية والغازية، التي تستخدمها قوات اللواء 145 مشاة التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.

  عصر الخامس من أبريل/ نيسان الجاري، سقطت قذيفة في وسط الخط العام يقول شهود عيان إنها أُطلقت من منطقة الخمسين التي تسيطر عليها جماعة أنصارالله (الحوثيون)، أثناء مرور ناقلة مياه، فأدى تطاير شظايا القذيفة، إلى إصابة أحد ركاب الناقلة، وإلحاق أضرار بمقدمتها وجزئها الأيمن.

وتعاني مدينة تعز من شحة في مياه الشرب، عمّق من هذه الأزمة اندلاع الحرب. ووصل سعر صهريج المياه (سعة 4 ألف لتر) الصيف الماضي، إلى أكثر من 20 ألف ريال (33 دولاراً).

  أما في السجن المركزي، فسمعتْ 29 نزيلة في قسم النساء، بعضهن برفقة أطفالهن، صوت الانفجار عن شمالهن، فلجأت بعضهن إلى ترديد الشهادتين تحوطاً، لكنهن ظننّ أن هذا الانفجار سيمر مرور الكرام، خاصة مع تعودهن سماع دوي انفجارات في المنطقة بين وقت وآخر. لقد كان بعضهن يقضين قيلولتهن في ساحة "الصباحية" المسيجة السقف، والتي تقع في الجزء الجنوبي للسجن، وهناك أخريات يجالسنهن وبالقرب منهن أطفالهن.

  كنّ يقعدن مستندات على الحيطان الخارجية للعنابر، بعضهن على حائط العنبر الأول، وأخريات على الحائط الثالث، ومجموعة في الوسط بالقرب من العنبر الثاني. جميعهن يعشن لحظات فرح وحماس غير معهود عليهن، وهن يتحدثن إلى الضابطة المناوبة في قسمهن خلود الريمي (35سنة)، عن القرار المرتقب للإفراج عنهن.

"كُنَّ في فرحةٍ عارمةٍ، حين علمْنَ أن موعدَ خروجهن يقترب كإجراءٍ وقائيٍّ من فيروس كورونا، لكنّ كل شيءٍ تبعثر بعد ساعات".

هكذا تحدثتْ لـ"خيوط" أمل العبسي، الشُرطيةٌ المسؤولةٌ عن قسم النساء في السجن، مختزلة تفاصيلَ المأساة التي لحِقَتْ بالسجينات.

إحدى الناجيات: شاهدت السجينة سماء (اسم مستعار) تجري نحو بوابة السجن الرئيسية والدماء تنهمر من جسدها، وقد أصابها القصف بالهستيريا. كما شاهدت قدم السجينة جميلة (اسم مستعار) ملقاة بجانب أحد الأعمدة، بعد أن بترتها الشظايا عن جسدها

 مصدر مطّلع قال لـ"خيوط" إنه وقبل ساعات قليلة من استهداف السجن، عُقد اجتماع داخل السجن مع ممثلي النيابة العامة في تعز لمناقشة إجراءات أولية للإفراج عن عدد من السجينات، وفقاً لتوجيهات صدرت من حكومة الرئيس هادي المعترف بها دولياً، ضمن مساعي الحد من انتشار فيروس "كورونا" كوفيد-19.

وتتوزع النزيلات الـ 29 على ثمان زنازين، وكنّ مدرجات على قائمة الإفراج المقرّة من النيابة العامة، بحيث تقرر الإفراج عنهن الاثنين، السادس من أبريل/ نيسان، بضمانات من قبل أهاليهن، لكن الموت كان يتربص بهن.

  لم يكن مرّ على القذيفة الأولى، سوى 10 دقائق، أي الساعة الـ 04:30 عصراً، حين اخترقت قذيفة أخرى النافذة الشمالية لإحدى غرف العنبر الثالث في سجن النساء، لتصل إلى الجدار الذي كانت تستند عليه بعض السجينات في الساحة، ما تسبب بمقتل بعضهن وإصابة أخريات بجروح متعددة.

تقول السجينة أفراح (اسم مستعار) (31 سنة): سمعنا صوت الانفجار، والذي كان يفوق صوته الرعد، فأظلم المكان وامتلأ بالدخان الكثيف والصراخ، لم نكن نعلم من أصيبت ومن لم تصب.

  هربت الناجيات، بينهن أفراح، إلى وسط زنزانة العنبر الأول، لكنها سمعت انفجارين متلاحقين يفوقان الأول في قوته. كانت قذيفتان سقطت إحداهما وسط ساحة السجن الغارقة بالدماء، وتطايرت شظاياهما على كامل الجدران الخارجية، بل دخل بعضها إلى الزنازين، بما فيها الزنزانة التي احتمت بها أفراح وطفلتها (7 سنوات). أصيبت طفلتها بشظية في الكتف اليسرى، بينما سقطت القذيفة الثالثة على عمود خرساني في الجهة الجنوبية الغربية لساحة السجن.

  السجينة أسمهان (اسم مستعار) (21 سنة)، والتي كانت متواجدة في الساحة، كانت تصرخ وتحاول الهرب من المكان، إلا أن الباب كان مغلقاً، وما إن فتحه أحد الحراس حتى خرجت مع رفيقاتها يركضن بملابسهن دون أن يرتدين العبايات.

مكان سقوط إحدى القذائف داخل صالة السجن (ت: أحمد باشا)

  تقول أسمهان لـ"خيوط": شاهدت السجينة سماء (اسم مستعار) تجري نحو بوابة السجن الرئيسية والدماء تنهمر من جسدها، وقد أصابها القصف بالهستيريا. كما شاهدت قدم السجينة جميلة (اسم مستعار) ملقاة بجانب أحد الأعمدة، بعد أن بترتها الشظايا عن جسدها. كنت أحاول التوجه نحوها لسحبها من مكانها لكني لم أستطع، كان يوماً كأنه القيامة.

  الصغيرات أيضاً لم يسلمن من شظايا القذائف. الطفلة سعاد (اسم مستعار) (7 سنوات) وأختها جنان (اسم مستعار) (5 سنوات) قدمن للسجن مع والدهن لزيارة قريبتين لهما في السجن. كانت سعاد تلعب أمام إحدى قريباتها وسجينة أخرى، وجنان تشرب ماء من قنينة قريبتها الأخرى، حين تعرضن للإصابة مع بقية السجينات.

واقعة قصف سجن النساء، خلفت العديد من القصص المأساوية للكثير من العائلات؛ فحين بدأت نعمة (اسم مستعار) وهي والدة ضحيتين، الحديث لـ"خيوط"، لم تستطع إكمال شهادتها بعد أن أصيبت بضيق تنفس، ليتم إسعافها على الفور.

  بحسب معلومات "خيوط"، كان عدد القذائف خمس، حيث انفجرت الرابعة والخامسة، خارج مبنى سجن النساء، على مرتفع ترابي، دون أي أضرار إضافية. وبحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"خيوط"، ومقابلة 5 سجينات ناجيات وشهود عيان، فإن القذائف الخمس أطلقت من المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصارالله (الحوثيون)، بمنطقة الخمسين التي تقع شمال وشمال شرق المكان المستهدف بحوالي 5 كيلو مترات. وأسفر القصف عن مقتل 7 نساء بينهن شرطية، وطفلتين دون سن العاشرة، وجرح  8 نساء وزائر واحد، وطفلتين دون سن العاشرة.

  يقول هائل الحبشي، سائق ميكروباص، اعتاد قطعَ المسافة بين منطقة "بئر باشا" والسجن المركزي، طيلة اليوم، بِحُكْم عمله: "لم نستطع العمل يومها، وكان مشهدُ سيارات الإسعاف مخيفاً. الأطقم العسكرية هرَعتْ لنقل الضحايا، ثم جاءت سيارةُ إسعافٍ تتبعها ثلاثٌ دفعةً واحدةً".

  السجينة نرمين (اسم مستعار) (19 سنة)، والتي نجت بأعجوبة من القصف، وأصيبت إصابات بليغة في الصدر وأجزاء من جسدها، وصفت المشهد التالي لــ”خيوط”:

"  أخبرونا أنه سيتم الإفراج عنّا. كانت فرحتنا بهذا الخبر لا توصف، لذا قررنا أن نلتقي سوية في صالة السجن للاحتفال ولتوديع بعضنا".

ذهبت نرمين إلى صديقتها سميرة (اسم مستعار) في العنبر. كنّ يتحدثن إلى بعضهن بمرح، وفجأة سمعتا صوتاً قوياً: "كنت أشعر بالخوف، حاولت إغلاق أذني لأنهما تضررتا من الصوت، وسمعت البكاء والصراخ، بينما كانت الصالة مليئة بالدماء، ومن حولي أشلاء طفلة متناثرة أمام ألعابها، ورأيت أني أنزف وصديقتي تربط الجرح بحجاب." تقول نرمين.

  تم إسعاف نرمين مع مصابات أخريات بينهن الشرطية خلود إلى مركز العون الطبي الذي تفيد شهادات المصابين بأنه رفض استقبال الحالات، ليتم نقلهن بعد ذلك إلى مستشفى البريهي لتلقي العلاج.

  تأتي هذه الواقعة بعد أيام قليلة من دعوة فريق الخبراء الدوليين بشأن اليمن إلى اتخاذ إجراءات وقائية سريعة لإطلاق سراح المحتجزين والسجناء في اليمن، لتفادي المخاطر المحتملة لتفشي وباء فيروس كوفيد-19 (كورونا).

  وقال الفريق في بيان صدر الاثنين 30 مارس/ أذار المنصرم، إن الوضع الهش للسجناء والمحتجزين في اليمن، يجعلهم بشكل خاص أكثر عرضة لخطر كبير إذا ظهر فيروس كوفيد-19 في السجون وغيرها من مرافق الاحتجاز، بسبب "ظروف الاعتقال المروعة" التي كشفتها نتائج تحقيقات الفريق في تقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان في سبتمبر/ أيلول 2019.

  وأعلنت اليمن -بالفعل- في 10 أبريل/ نيسان الجاري، تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، لموظف في أحد موانيء محافظة حضرموت شرقي البلاد.

  واقعة قصف سجن النساء، خلفت العديد من القصص المأساوية للكثير من العائلات؛ نعمة (اسم مستعار) وهي والدة ضحيتين، بدأت الحديث لـ"خيوط" لكنها لم تستطع إكمال شهادتها بعد أن أصيبت بضيق تنفس ليتم إسعافها على الفور.

  وكانت عائلة نعمة بذلت مساعي كثيرة -حسب قولها- للإفراج عن ابنتيها عهود (اسم مستعار) (25 سنة) وجيهان (اسم مستعار) (30 سنة) لكن دون جدوى، وحين سمعت الأم الأخبار التي تتحدث عن الإفراج عنهن، قالت إنها شعرت بالبهجة لأن العائلة سوف تجتمع أخيراً في رمضان. لكن الأخبار الجميلة لم تكتمل، حيث أنهت حياة ابنتيها وحفيداتها قذيفة "غادرة".

  والد إحدى المصابات في الواقعة، قال من جانبه لـ"خيوط" إن ابنته التي لا يتجاوز عمرها 18 سنة، "تم اتهامها زوراً وبهتانا، وسجنت في 25 يوليو 2019"، يواصل: "كنت حزينا على فراقها كونها أصغر أفراد العائلة، ويوم القصف اتصل بي أحد الجيران وأخبرني أن ابنتي قتلت في قصف السجن المركزي. لم أستوعب الخبر وأصبت بصدمة نفسية".

  انطلق الأب المفجوع إلى المستشفى للبحث بين الجثث عن ابنته، ليأتي أحد الأطباء ويخبره بأنها مصابة، "وها أنا أتحرك على أدوية من هول الصدمة." يضيف الأب.

بقايا دماء ل امرأة كانت تجلس في صالة السجن أثناء سقوط إحدى القذائف (ت: محمد مقبل)

  وكانت "خيوط" زارت السجن المركزي بعد 4 أيام من الهجوم والتقت مديره العام، الذي سمح بالدخول، رفقة أحد الجنود، إلى الساحة الصغيرة التي ما زالت رائحةُ الدم حاضرةً فيها، وبقايا الأشلاء ناتئةً وسط بُقَعِ الدم اليابسة. من تلمس تلك الأشلاء الناتئة، يمكن الشعور إلى حدٍّ ما، بما حدث؛ صوتُ ارتطام القذيفة ودويُّ انفجارها، قبل أن يكون المشهد صورة ذهنية للشظايا وهي تخترق أجسادَ نسوةٍ يتأهبْنَ للقاء الحياة في الخارج مجدداً بعد ساعات.

  وفي المكان، روى شهود عيانٍ لـ"خيوط"، المشهد المُروِّع، على إثر فُقدان امرأةٍ لساقِها جراء سقوط أول قذيفتين، فيما كانت الصرخاتُ تتعالى خشيةَ سقوط قذائفَ أخرى. نالت شظايا المقذوفات من معظم أجساد النزيلات، لكن عائلة سعيد (اسم مستعار) كانت الأكثرَ تضرراً من الهجوم، بعد أن فَقَدَ حفيدتَه نسمة (5 سنوات)، فيما لا تزال ابنتُه جميلة (اسم مستعار) ترقد في العناية المشددة بحالةٍ حرجة.

  غير أن مأساة عائلة الرجل الأربعيني لم تنتهِ عند ذلك؛ إذ كشف، في حديث لـ"خيوط" عبر الهاتف، أن شقيقه ماهر (اسم مستعار) فَقَدَ هو الآخر زوجتَه جيهان وشقيقتَها عهود، بالإضافة إلى حفيدته سعاد (10 سنوات)، فيما نجت والدتُها رجاء (اسم مستعار)، ابنة ماهر الوحيدة. كان من الصعب مواصلةُ المكالمة الهاتفية مع سعيد، الذي لم يتمالك نفسه وهو يصف المأساة، واستند إلى الصمت.

  بعد لحظاتٍ سمَح لابنته الثانية إيمان (28 سنة) (اسم مستعار)، وهي والدة الطفلة الضحية نسمة، بالحديث لـ"خيوط"، وإكمال تفاصيل الفاجعة.

  كشفت إيمان أن سبب مكوث طفلتها معها في السجن هو عدم وجود من سيَعُولها خارجه؛ وذلك بعد أن نَقلتْ مصادرَ إعلاميةٍ أن الطفلة كانت في زيارة لأمها في السجن. تقول إيمان: "في البداية، سمعْنا صوت قذيفتين بالقرب، وكان الخوف يملأ قلوبنا. ثم بعدها بلحظاتٍ قليلةٍ، سقطت القذيفةُ الثالثة، لأجدَ أمامي دماءً وأشلاءَ بشريةً، وكانت ابنتي غارقةً في وسط كل هذا. كان الأمر كنهاية العالم".

  وفي أحد المشافي الخاصة في المدينة والتي زارتها "خيوط"، حيث ترقد أنهار (اسم مستعار) (20 سنة)، كان والدها الحاج صالح (اسم مستعار)، يترجى رجل أمن بلهجته التعزية الدارجة، ليصعد إلى غرفة العناية المركزة ويلتقط صورة لابنته، التي ما زالت تحت العناية الطبية المشددة لليوم الرابع.

يقول الحاج صالح لـ"خيوط"، وهو يتحسر على ابنته: "الجروح أكلت يدها جراء شظايا القذيفة التي اخترقتها بالكامل حتى مفصل الكتف". ومع تزايد مخاوف الحاج صالح على ابنته، توجهت "خيوط" إلى الطبيب طه الخليدي، الذي أجرى التدخل الجراحي لها، وكشف أن حالتها باتت مستقرةً. "أغلبية من وصلْنَ كّن بلا أطرافٍ، جثثاً هامدةً. شيء لا ينسى." يضيف الطبيب.

اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان طالبت في يناير 2020، بإخلاء مباني مركز المراقبة الاجتماعية والطفولة الآمنة ومبنى دار الأحداث بنين وبنات، إضافة إلى مبنى دار العجزة والمسنين، وتسليمها إلى مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في تعز

ردود أفعال

ولاقت الواقعة ردود أفعال عدة، أتت جميعاً مستنكرة.

مدير عام السجن المركزي بتعز عصام الكامل قال لــ"خيوط" إن السجن المركزي يتعرض لاستهداف شبه يومي بالقذائف، وإن إدارة السجن أبلغت جميع الجهات بذلك "لكن دون استجابة".

واعتبر الكامل أن "استهداف السجن وهو منشأة مدنية من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) يعد جريمة وانتهاكاً للقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية"، مناشداً المنظمات الدولية والأمم المتحدة والصليب الأحمر القيام بدورهم نحو السجينات.

  من جهتها قالت الناشطة الحقوقية رغدة المقطري لـ"خيوط" إن المنشآت المدنية والطبية تعتبر من الأماكن المحمية بحسب اتفاقيات جنيف الأربع.

  وتضيف المقطري: "لا يوجد مبرر حقيقي لاستهداف مثل هذه المنشآت والقيام بهذا الفعل"، وقالت: "ربما يتحدث البعض أن بالقرب من السجن المركزي يوجد مبنى الرعاية الاجتماعية والذي يستخدم كمقر لأحد الأولوية، لكن المسافة بين المبنيين أكثر من 300 متر ونسبة الخطأ بين 20 إلى 30 متر، فهو لن يتعدى بوابة السجن".

  وحصلت "خيوط" على رسالة كانت وجهتها اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، إلى قائد محور تعز اللواء خالد فاضل، في الـ26 من يناير/ كانون الثاني 2020، تدعوه فيها إلى إخلاء مجمع الرعاية الاجتماعي المجاور للسجن المركزي في تعز، والذي يسيطر عليه اللواء 17 ميكا.

  ودعت اللجنة في رسالتها إلى تفعيل هذه المنشأة لصالح أنشطة الحماية الاجتماعية القانونية لضحايا العنف من النساء والأطفال، خصوصا أثناء النزاع المسلح، كجزء من التزامات الدولة لحماية حقوق الإنسان.

  كما طالبت اللجنة بإخلاء مباني مركز المراقبة الاجتماعية والطفولة الآمنة ومبنى دار الأحداث بنين وبنات، إضافة إلى مبنى دار العجزة والمسنين، وتسليمها إلى مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل في تعز، لإيواء عدد من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. وحتى كتابة هذا التقرير، أكد مصدر مطلع لـ"خيوط" بقاء المنشأة كمكتب مالي وإداراي للواء 17.

  الناشطة رغدة المقطري، اعتبرت ما حصل بسجن النساء "استهدافا مباشراً وممنهجاً"، وقالت إنه "ومن خلال النزول للسجن والمعاينة اتضح أن القصف أصاب المكان بشكل مباشر، فكانت أول قذيفة تسقط وسط الساحة وقذيفة أخرى في العنبر، وقذيفة في أحد الأركان بينما القذيفة الأخيرة كانت حول السجن المركزي".

  واعتبرت المقطري أن وضع السجن المركزي غير آمن، وأن القذائف ما زالت تصل إليه بسبب قربه من جبل (هان)، الذي "يعتبر منطقة خط نار"، مطالبة "بسرعة الإفراج عن المسجونين، وسرعة البت في إجراءات التقاضي للسجينات والسجناء".

وقالت إن "الأصل كان أن تتم هذه الأمور من قبل، وهي من الأمور التي يجب أن تكون بشكل سريع بصورة استثنائية لأن قضايا النساء ذات طابع حساس".

  وبالرغم من أن النزاع في اليمن خلَّف تأثيراً رهيباً على كل المدنيين بصفة عامة، إلا أن منظمة العفو الدولية حددت التأثير الأكبر على النساء والفتيات وبشكل غير متناسب.

  وأدت الصور النمطية السلبية بشأن أدوار النوع الاجتماعي والمواقف الذكورية، والنظام القانوني التمييزي، وانعدام المساواة الاقتصادية، إلى مفاقمة الوضع الهش للمرأة فيما يخص تعرضها للعنف.

  إلى ذلك، أدانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان "بأشد العبارات" القصف الذي تعرض له السجن المركزي في تعز. وقالت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت في بيان لها صدر من مكتبها في جنيف 6 أبريل/ نسيان 2020، إنه وردها "أنّ ثلاث قذائف، يُزعم أنّ الحوثيّين أطلقوها، أصابت قسم النساء في السجن".

  واعتبرت أنه "لا يمكن أبدًا تبرير مثل هذا الهجوم في أي ظرف من الظروف"، معتبرة الواقعة "انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي، وقد يرقى بحسب الظروف إلى جريمة حرب".

  وأفضى النزاع المسلح، منذ مارس/ أذار 2015، إلى تزايد الانتهاكات في مدينة تعز على الأعيان المدنية والمدنيين من جميع الفئات، خاصة النساء والأطفال. وقتل وأصيب آلاف المدنيين ربعهم كانوا من النساء والأطفال.

______________________

الصورة ل: آفاق الحاج

•••
قسم التحقيقات

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English