كورونا أو الموت جوعاً..

خيارات اليمنيين الصعبة
عمران مصباح
April 3, 2020

كورونا أو الموت جوعاً..

خيارات اليمنيين الصعبة
عمران مصباح
April 3, 2020
|

   عمّ الهلعُ العالمَ، وانضبط الجميع على إيقاع هاجسٍ واحد؛ هاجس كورونا. في هذا التوقيت، تفرد اليمني بقلقٍ مختلفٍ؛ قلق الموت من التوقف، رغم أن رعب المرض لم يستثن أحداً، لكن الشعور بالذعر له أسبابٌ أخرى مضاعفةٌ لدى اليمني، وتحديداً فئة من لا يملكون أرصدة بنكية ولا مدخرات ولا دولة كي ترعاهم. ووحده عرق الجبين الآني وحركة النشاط اليومي من يعتمدون عليه كلياً في توفير قوت اليوم.

كورونا أو الموت جوعاً

   عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت فيديوهات كثيرة، بلغات متعددة، لتوعية الناس بضرورة تحمل شعور العزلة المفروضة لمواجهة الجائحة العالمية، لكن عبد الله الوصابي-أحد عمال الأجر اليومي- لا يبدو من ملامحه الحادة أن لديه مشكلةً مع الشعور بالوحدة، بل مع توقف الحياة العامة الذي سيجبره على الانقطاع عن العمل. يقول عبد الله لـ"خيوط": " أشعر بالإحباط عندما أتوقف يوماً واحداً؛ فما بالك لو توقفت لفترة طويلة؟! هذا يعني الموت جوعاً"، مضيفاً: "أنا مستعد أن أشتغل حتى وإن انتشر المرض، لن أجلس بالبيت أبداً، لأن لدي أطفالاً، غير أن المشكلة تبقى في من سيشغلني إذا انتشر المرض لأن كل شيء سيتوقف حتماً". وتابع، بنبرة ممزوجة باليأس والأمل معا: "ولكن على الله".

   في هذا الصدد، يقول مهدي الريمي- عاملُ بالأجر اليوميٍّ: "لقد أخافونا كثيراً بكورونا في التلفزيون، في الشارع وفي البيت أيضاً، في كل مكان يتحدثون عنه، لدرجة تجعلني لا أدري ماذا أقول بعدها، باستثناء انتظار ما سيحدث". وفي اللحظة التي كان فيها مهدي يتحدث، تدخل أحد العمال الواقفين في الجوار، بطريقة تعكس قلقه مما سيأتي قائلاً: "كنا نقول ما عد في شي بيحصل أسوأ من الحرب، وفجأة قفز كورونا ليقول لنا إن حبل المعاناة طويل".

تداعيات الأزمة

   يحاول الكثيرون -مؤخراً- الحد من الحركة، ومن التنقل إلا عند الضرورة، اتباعاً للتوجهات الصحية المتعلقة بمواجهة فيروس كورونا؛ وهو ما انعكس سلباً على العديد من المهن والأعمال اليومية. إيهاب السلطان -سائق دراجة نارية- يقول لـ"خيوط" إن شحة فرص التوظيف بعد تخرجه من جامعة صنعاء اضطرته لشراء دراجة نارية لتوفير لقمة عيش له ولأسرته، مضيفاً: "منذ عام كامل أعمل في دراجتي النارية، لكن العمل خلال هذه الأسابيع تراجع بشكلٍ مخيفٍ جداً، وشهد تدهوراً  ينذر بكارثة في حال طالت أزمة كورونا".

السلطات في اليمن اتخذت إجراءات احترازية للحد من انتشار فيروس كورونا، لكنها في المقابل لم تتخذ إجراءات وتدابير لمعالجة وقع هذه الإجراءات على المواطنين الذين يعتمدون على الدخل اليومي في تسيير حياتهم

   نظراً للانتشار السريع للفيروس في التجمعات والأماكن المزدحمة، اضطر البعض لتأجيل مناسباتهم الاجتماعية؛ ما ألقى بظلاله على التجار والجهات والمشتغلين في مجال المناسبات.

   في هذا السياق، تحدث لـ"خيوط" الأسبوع الماضي، أكرم أحمد -صاحب معرض "لتأجير فساتين الأعراس وأحد الذين تضرروا من الإجراءات الاحترازية، بعد إغلاق قاعات الأعراس. قال أكرم إن السوق شبهُ متوقفٍ، لدرجة أنه يمر يومٌ كاملٌ دون أن يدخل محله زبونٌ واحدٌ، وهذا يزيد من أعباء الإيجارات، وفواتير الكهرباء، ومرتبات العمال.

   وفي إطار تداعيات هذه الأزمة، قال هيثم الحرازي- مشرف العمال في "كافيه بالم" بصنعاء، إن توقف العمل "مقلق جداً". وأضاف أن إدارة الـ"كافيه" تحاول التعامل مع الأمر بهدوء، حيث منحت العمال فترة إجازة بما يشبه "استراحة"، فيما قررت استغلال هذا الظرف في عمل صيانة للمكان. "لكننا نتمنى ألّا تطول الفترة، لأنه سيتسبب بكارثة كبيرة لنا، لأن أكثر من مائتي عامل سيتوقفون عن العمل"، قال الحرازي.

لا تدابير حكومية للتخفيف من وقع الأزمة

   ما يزيد المشكلة تعقيداً، أن السلطات الرسمية في عموم اليمن اكتفت بإصدار قرارات وتعميمات الإجراءات الاحترازية، والتي أخذت بالتصاعد خلال الأسبوع المنصرم، بينما لم تعلن حتى عن خططها لمواجهة تبعات هذه الإجراءات، وهي التبعات التي قد تدفع فئاتٍ عماليةً كثيرةً لتفضيل المخاطرة العالية بصحتهم، على الموت جوعاً.

   وتظل التباينات المتعددة بين مجتمعات الرفاه الاجتماعي، وبين مجتمعٍ يفتقر لأبسط الخدمات الضرورية، موضعَ نقاشٍ عميق. فالانقسام, والحرب في اليمن منذ خمس سنوات، جعلت الأمراض والأوبئة -إلى حد ما- أمراً مألوفاً؛ على عكس أوروبا التي يشكل لها كورونا رعباً قائماً وخطراً محدقاً بذاته. إن احتمالات الكارثة لدى اليمنيين تتخذ أكثر من وجه؛ إما كورونا أو الموت جوعاً.

_______________________________________________

الصورة ل: عامل بالأجر اليومي في صنعاء- تصوير محمد المخلافي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English