الدواء في اليمن تجارة حرب

كورونا يكشف تشوهات أسواق الأدوية
محمد راجح
July 21, 2020

الدواء في اليمن تجارة حرب

كورونا يكشف تشوهات أسواق الأدوية
محمد راجح
July 21, 2020

 في أوج أزمة تفشي فيروس كورونا في اليمن، وقع اليمنيون بين فكي كماشة؛ انتشار الفيروس من ناحية والاختفاء التدرجي لبعض أصناف الدواء من جانب آخر، إلى درجة وصل معها الناس إلى عدم قدرتهم على الحصول على "حبة بندول" أو قرص "سولبادين" (الفوار)، وبالمثل، انعدام "فيتامين سي" من الأسواق. هنا بدأت التساؤلات: ما الذي يحدث في أسواق الدواء اليمنية لتختفي أبسط أصناف الأدوية التي لم يكن أحد يتوقع اختفاءها؟

بالعودة قليلاً إلى آخر ثلاث سنوات من الحرب، حين بدأت نتائج اختلالات سوق الدواء على مدى سنوات سابقة بالظهور. إذ برزت هذه النتائج، حسب ما رصدته "خيوط" في هذا التحقيق، في صور وأشكال متعددة تلاقت مع انتشار فيروس كورونا. خلال هذه السنوات الثلاث، بدت سوق الدواء في اليمن بوضوح كتجارة حرب، وما الأزمات الإنسانية المرافقة للحرب إلا ورقة توت ظلت تغطي عورات هذه السوق المشوهة.

رصدت "خيوط" هذه الأسواق ووضعيتها قبل الحرب، ووجدت كيف أن الفساد الحاصل في أسواق الدواء في اليمن انعكس على انتشار الأدوية المهربة والمزورة، والتي شكلت 60% من حجم الأدوية المعروضة في السوق المحلية.

وحصلت "خيوط" على بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في يناير/ كانون الثاني 2020، تكشف عن 50 نوعاً من الأدوية المهربة والمقلدة يتم تداولها في السوق المحلية اليمنية، بالإضافة إلى 200 نوع من الأدوية المزورة تدخل اليمن بطرق غير مشروعة، وحوالي 175 نوعاً مهرباً محددة المصدر.

اختفت من السوق نحو 240 صنفاً دوائياً معظمها علامات تجارية معروفة، 50% منها خضعت لـ"استنساخ تجاري"، فيما الهيئة المختصة تؤكد نفاد 361 صنفاً من المخازن والأسواق

  وحمل جهاز الرقابة آنذاك الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية، المسؤولية عن عدم إجراء بعض الاختبارات والتحاليل المتعلقة بالأدوية ذات النشاط الإشعاعي واللقاحات ومشتقات الدم ومواد التجميل ذات الأثر الطبي، بالإضافة إلى عدم استكمالها مشروع المواصفات والكروت الفنية الخاصة بالمخدرات والمؤثرات العقلية المراقبة دولياً.

  التقرير تطرّق إلى غياب التنسيق والتكامل بين الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية والجهات ذات العلاقة، مثل الجمارك والإدارات المختصة بوزارة الصحة والجهات الأمنية، في عملية ضبط ومكافحة الأدوية المهرّبة والمزورة.

  الخبير في سوق الأدوية حمدي القبيسي، وضح لـ"خيوط" أن عملية التهريب التي كانت سائدة قبل الحرب وتتم عبر المنافذ الرئيسية، انعكست في انتشار أدوية مقلدة ومزوّرة، وهنا يفسر القبيسي هذا المحور الهام في القضية، ويضرب مثلاً في ظهور أصناف جديدة من "فيتامين سي"، بعد أن كانت شركة أدوية تابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم توفره كعلامة تجارية معروفة. ولذا كان هناك الصنف المصري من "الفيتامين سي" وصنف آخر سوري ونوع فرنسي وهناك السويسري والألماني وغيرها، وذلك بسبب التهريب والتقليد، لتأتي الحرب وتضيق الخناق على هذه الآفة مع إغلاق المنافذ، لتظهر كتلة تجارية جديدة محدودة في هذه السوق تستطيع اختراق جدار هذا الحصار، وتبدأ باحتكار أصناف دوائية قامت بتهريبها إلى الأسواق.


فاتورة متضخمة

عانت اليمن طوال السنوات الماضية من تضخم فاتورة استيراد الأدوية والتي تصل إلى نحو 95 مليار ريال سنوياً، تمثل الصناعة المحلية منها 20%، وهو مبلغ كبير تكبدته خزينة الدولة لصالح هوامير تجار ومهربين ومزورين تعج بهم أسواق الدواء في اليمن. في حين تغطي المنتجات المحلية حوالي 12% من احتياجات السوق الدوائية، وينتج القطاع الخاص 200 صنف من الأدوية إلى جانب إنتاج الأدوية المنقذة للحياة ذات الصلة بالأمراض المزمنة.

تتبعت "خيوط" أسواق الدواء في اليمن، ورصدت بعض الأصناف الدوائية، واطلعت عليها من تجار وصيادلة في أكثر من محافظة يمنية، واكتشفت اختفاء نحو 240 صنفاً معظمها علامات تجارية معروفة، 50% منها خضعت لـ"استنساخ تجاري".

في السياق، أرجع تقرير صادر في فبراير/ شباط 2020، عن الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في صنعاء، اطلعت عليه "خيوط"، الأزمة الحاصلة في سوق الدواء اليمني، إلى الحصار الذي فرضه "التحالف العربي" بقيادة السعودية والإمارات، ومن أهم أوجه هذا الحصار، إغلاق مطار صنعاء، والذي تسبب باختفاء عدد كبير من الأدوية المنقذة للحياة، منها 120 صنفاً من أدوية الأمراض المزمنة مثل السرطان.

وكشفت الهيئة عن نفاد 362 اسماً تجارياً من السوق ومن مخازن وزارة الصحة العامة والسكان التابعة لحكومة صنعاء والسوق التجارية، وأكدت أن معظم هذه الأصناف تحتاج إلى ظروف خاصة جداً للنقل، كالتبريد وسرعة التوصيل التي لا تتسنى إلا عبر مطار صنعاء، ومنها أدوية مشتقات الدم والأدوية الهرمونية والمناعية والأمصال ومخثرات الدم وأدوية الإنعاش والتخدير وبعض المحاليل المخبرية والتشخيصية.


احتياجات الأسواق

في أبريل/ نيسان 2020، خلص اجتماع لمؤسسات القطاع الخاص وقطاعات حكومية في صنعاء، إلى تشكيل لجان طوارئ خاصة لمكافحة فيروس كورونا، من قبل هذه المؤسسات، ومنها الاتحاد العام لمنتجي الأدوية، وبنك الدواء اليمني واتحاد مستوردي الأدوية، وتم وضع خطة وآلية عمل مشتركة تتضمن ما يمكن تقديمه لمكافحة هذا الفيروس، والتعاون مع الجهات الرسمية المختصة لمنع انتشاره في اليمن.

  مع وصول انتشار الفيروس إلى الذروة، كانت بعض الأصناف الدوائية قد اختفت من الأسواق، مثل "فيتامين سي"، الذي وصل سعره إلى أربعة آلاف ريال، بعد أن كان 1200 قبل أزمة الفيروس. كذلك أقراص "أسبرين سي" والذي زاد سعره إلى 3 آلاف ريال بعد أن كان 800 ريال، وبعض أصناف المهدئات كالبندول وأقراص الفوار "السولبادين" والتي عادت بضعف سعرها الذي لم يكن يتجاوز 50 ريالاً.

  وقفت مختلف الجهات في اليمن عاجزة عن مواجهة هلع الناس وسط انتشار فيروس كورونا وتوفير أدنى الأدوية التي يحتاجونها، حتى وصلت بعض الشحنات الدوائية التي أدخلتها المنظمات الأممية، لكنها لم تغطِّ احتياجات الأسواق رغم الانحسار النسبي لفيروس كورونا مع تواجدها المحدود في بعض الصيدليات ومخازن الدواء، والتي تبيعها بأسعار مرتفعة، ويشبه تداولها طريقة "بيع الممنوعات" إما للعلاقات الشخصية، أو بتقنين شديد "قرص" أو "باكت" واحد للمستهلك الذي يستطيع إقناع باعة الأدوية في الصيدليات المحدودة التي تبيعه. 

  يفيد المدير التنفيذي لاتحاد منتجي الأدوية عبدالحكيم شوكت، "خيوط"، بأن هناك قيوداً مفروضة على المطارات والموانئ منذ خمسة أعوام، أثرت على مختلف القطاعات التجارية والاقتصادية في اليمن، وفي تكوين مخزون مناسب من الغذاء والدواء، وعرقلت كثيراً من المكونات الصناعية ومدخلات الإنتاج التي تحتاجها شركات الأدوية اليمنية، وأيضاً شكلت صعوبة بالغة، خصوصاً مع انتشار فيروس كورونا في تلبية احتياجات الأسواق من بعض الأصناف الدوائية التي شهدت اختفاء أو انخفاضاً كبيراً في المعروض منها في الأسواق.

يضيف شوكت، أن هناك إغراقاً كبيراً للأسواق اليمنية بالأدوية الفاسدة والمهربة والمزورة، وهناك استغلال كبير لحاجة الناس في اليمن. وفي السياق، حثّ شوكت الجهات المختصة الأمنية والتجارية والرقابية، على "أن تكون عيوناً ساهرة للحد من هذه التصرفات والظواهر السلبية المؤثرة".

  وحسب مدير اتحاد منتجي الأدوية، فإن الوضع الراهن شكّل فرصة مناسبة لنمو الصناعات الدوائية اليمنية، والقيام بدور فاعل في تغطية احتياجات الأسواق اليمنية من بعض الأصناف الدوائية الضرورية، إذ تغطي الصناعة المحلية في حدود 35%، من احتياجات الأسواق اليمنية. فيما يرجع الارتفاع الكبير إلى مستويات غير معقولة في أسعار الأدوية المستوردة بدرجة رئيسية إلى الاحتكار الذي يسود الأسواق في هذا الجانب من الممارسات التجارية.

تغطية العجز

  في اجتماع عقدته الهيئة مع اتحاد مستوردي الأدوية في 12 يونيو/ حزيران 2020، ألزمت الهيئة المستوردين برفع سقوف الاستيراد وتعويض الفاقد، فيما كانت هناك جهود وفق إمكانيات محدودة لتشغيل خط المحاليل في مصنع "يدكو" لتغطية العجز الذي يعانيه منذ نحو سنتين في إعادة إنتاج أحد أهم أصناف "البندول" التي كانت ينتجها، وهو "البرومول القصديري"، الذي كان يحظى بأهمية كبيرة من قبل المستهلكين في اليمن لرخص ثمنه وفعاليته، إضافة إلى مصانع محلية أخرى تابعة للقطاع الخاص لإنتاج "فيتامين سي"، لكنها لم تنتج شيئاً، وكانت المصادر الطبيعية من الحمضيات هي الخيار الذي لجأ إليه الناس في اليمن ضمن إجراءاتهم الوقائية تجاه فيروس كورونا.

تحتل الأدوية المرتبة السادسة لأهم 30 سلعة مستوردة إلى السوق اليمنية، ويقوم القطاع الخاص اليمني باستيراد الكميات التي يحتاجها السوق، رغم عدم استقرار قيمة الواردات التي ظلت تتأرجح مابين 50 إلى 95 مليار ريال

كان هناك اتفاق يقضي بضرورة فتح استيرادات عاجلة وكافية للأصناف الدوائية الضرورية التي تحتاجها الأسواق اليمنية، وتكوين مخزون دوائي يكفي لما تبقى من العام الجاري، في إطار موافقات استيراد للأصناف المسجلة، وتم منح موافقات استيراد استثنائي لأصناف أساسية هامة لتغطية الاحتياج الطارئ لبعض الأصناف المطلوبة في الأسواق.

ويسود تذمر في أوساط شركات الأدوية ومستوردين من عمليات تضييق تمارس بحقهم من قبل الجهات والمؤسسات الرسمية الخاصة بالأدوية والمستلزمات الطبية، وجهات طبية وصحية في مختلف المناطق والمحافظات الرئيسية، ومن صعوبات عديدة واجهتها خلال الأزمة الأخيرة وتواجهها منذ بداية الحرب في اليمن، ومنها التأخير في المنافذ الجمركية والإجراءات الروتينية التي تسبب خسائر وأضرار عديدة.

من هذه العراقيل ما يتعلق بمنح الموافقات للأصناف والشركات المسجلة والمعتمدة، خصوصاً تلك التي لديها شهادات عالمية، وكذا الإعفاءات والتسهيلات اللازمة لأصناف الأدوية والمستلزمات الطبية والفيتامينات التي تدخل ضمن البروتوكول العلاجي والوقاية وتعزيز المناعة لمواجهة فيروس كورونا.

لكن رغم ذلك يؤكد اتحاد مستوردي الأدوية، حسب حديث أحد قياداته لـ"خيوط"، وجود مخزون كافٍ لكل الأدوية والمستلزمات الطبية لمواجهة فيروس كورونا ومنها الكمامات والفيتامينات بمختلف أنواعها.

  وتحتل الأدوية المرتبة السادسة لأهم 30 سلعة مستوردة إلى السوق اليمنية ويقوم القطاع الخاص اليمني باستيراد الكميات التي يحتاجها السوق، وحسب بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء اطلعت عليها "خيوط" فقد تراجعت قيمة الواردات من الأدوية من 95 مليار ريال في 2014 إلى 46 ملياراً و400 مليون ريال في العام 2015، ووصل في العام 2016، إلى نحو 73 ملياراً و330 مليون ريال.


•••
محمد راجح

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English