الرصاصة "الضاحكة"

حتى الفرح أصبح عقوبة في المجتمع اليمني
وفاء فرحان
April 15, 2024

الرصاصة "الضاحكة"

حتى الفرح أصبح عقوبة في المجتمع اليمني
وفاء فرحان
April 15, 2024
.

الفرحة هي شيء يشبه المعجزة لِمَا تُحدثه فينا من خفة لذواتنا، وكأنها تزيل كمًّا هائلًا من أثقالنا وأوجاعنا، وكأننا قبلها لم نحزن أو نتعب قطّ، فنشعر بأننا وُلدنا للتو ممتلئين بالشغف لممارسة الحياة. لكن الفرحة في المجتمع اليمني، يتم التعبير عنها بلغة صاخبة، تُفقدها خفتها وتعود بنا في النهاية إلى أدراج الألم والدموع!

ففي المناسبات السياسية، أو الاجتماعية، حيث تكثر الأعراس مثلًا أيام الأعياد الدينية، يتم التعبير عن الفرحة بإطلاق الأعيرة النارية، التي تكشف عن جذور معتقدات خاطئة يتداخل فيها الفرح مع تعبيره بلغة مؤذية ومرهقة تقودنا نحو مزيد من الأضرار في هذا المجتمع المتهالك التي خارت قواه، ويتوجب علينا إعادة لملمته وحفظ طاقته.

إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات تعبيرًا عن الفرحة، مشكلة خطيرة على الإنسان والبيئة، فهي تؤدّي إلى موت مباشر؛ إما في الساحة التي تقام بها الأفراح وتنزع منها ألوانها عدا اللون الأحمر، الذي ينسكب إثر الرصاصة المندلعة نتيجة للفرحة التي يتم التعبير عنها بشكل مدمر، ومِن ثَمّ الأسود حيث يتغشى الفرحَ الحزنُ، وإما بطريقة غير مباشرة قد تصيب إنسانًا آخرًا كان مطمئنًا أو فرحًا في مكان ما.

إضافة إلى الاستنزاف المادي الذي تُحدثه العادة السيئة بإطلاق الرصاص تعبيرًا عن الفرحة، حيث توجه طاقة الفرد نحو ثقافة السلاح التي ترهق الروح والبدن، إلى جانب أنّها تُحدث مزيدًا من المشكلات البيئية، كتلوث الهواء والتلوث الضوضائي، اللذَين بدون شك يعود ضررهما على الإنسان وصحته الجسدية والنفسية، لا سيما على المدى البعيد. 

ينبغي استدعاء خلق مساحات من الوعي الإنساني، التي تكون نتاج القراءة والعلم والعمل والتأمل وزيادة تهذيب النفس بالفنون التي تأخذ بأيدينا نحو التعبير عن فرحنا بالأغاني الأنيقة واللوحات والرقصات. فالأخذ بيد النفس نحو التطابق مع قيمها السامية، التي تنعكس على السلوكيات، تتطلب منظومة فكرية وتطبيقية تدريجية.

بذلك تنخفض معدل الفرحة تدريجيًّا، فالرصاصة التي تعبر بها عن فرحك قد تكون هي ذاتها التي تنزعها منك وتهلك بسببها، ومِن ثَمّ يتحول ما بداخلك إلى كومة من الحزن أو قد تسلبها من غيرك؛ ولأنّنا في وجود تشابكي فإننا نؤثر ونتأثر، وسلامة الفرد والبيئة هي سلامة الجميع والعكس صحيح.

صدى القوقعة البشرية

يعود سلوك إطلاق الأعيرة النارية تعبيرًا عن الفرحة وإظهارها بطريقة مفتعلة ومضطربة إلى الرغبة بحب الظهور السلبي، الذي يريد الشخص من خلاله إلى إشعار الآخرين بأنه شخص يفرح ويتبختر بفرحته بريش من رصاص، وكأن الحياة ميزته عن سائر البشرية.

لكنه كلما زاد صوت الرصاصة، كان وقع الألم الذي بداخله أكبر، والذي ينم عن قلة استحقاقه للفرحة الحقيقية، التي تكون نتاج شعور بالنقص والفراغ الذي لم يمتلئ بمزيد من الحضور الإنساني واستشعار الفرحة وزيادة القيمة. وهي نتيجة أيضًا للصدأ الكبير الذي يُطلقه الفراغ الداخلي والذي ينم عن انخفاض الوعي الإنساني الذي يلزم ولادة المزيد منه لتمتلِئ القوقعة البشرية، ويتم التعبير عن الحياة وفرحتها بما يتناغم معها بسيمفونية لا تؤذي الحواس ولا البدن ولا السيكولوجية الداخلية للإنسان.

لا بُدّ من الغوص في المجتمع إلى جذوره ليتم تحديد مشكلاته بدقة، ولأنّ الفرد هو الخلية الأولى للمجتمع فلا بدّ من التعمق فيه والبحث عن أسباب سلوكياته المضطربة، التي تقف عائقًا أمام تطوره وفرحته وإيجاد الأواني -الأماكن- الفارغة بداخله، والتي تصدر تعبيرًا مشوّهًا بذبذبات ضجيج الأعيرة النارية والأدخنة السامة المتصاعدة منها.

لذا ينبغي استدعاء خلق مساحات من الوعي الإنساني، التي تكون نتاج القراءة والعلم والعمل والتأمل وزيادة تهذيب النفس بالفنون التي تأخذ بأيدينا نحو التعبير عن فرحنا بالأغاني الأنيقة واللوحات والرقصات. فالأخذ بيد النفس نحو التطابق مع قيمها السامية، التي تنعكس على السلوكيات، تتطلب منظومة فكرية وتطبيقية تدريجية كي يتجلى القانون في المجتمع طواعية.

حملنا تأريخ الحرب حتى شوّهت لغات فرحتنا، فأصبحنا لا نستطيع الفرح إلا ونحن نحمل الأغلال، وكأن الفرح أصبح عقوبة. وفرحتنا التي نعبر عنها في الزفاف احتفاءً بجمع قلبين، يدخل الشيطان فيها ويلبس رداء اتباع التقاليد السيئة، ويصرخ من على فوَّهة السلاح، ويقيم احتفاله في عزاء أسرة أخرى أو يتراكم ببط على مهملات البيئة وتجارة الأسلحة، وإنه ليضع بيوضه على مخاوفنا وأماكننا المظلمة والباردة التي ينبغي علينا اقتحامها وثقب فتحة للنور وللماء، حتى تتشكل الحياة بصوتها الأنيق الذي يشبه تراتيل الناي. 

•••
وفاء فرحان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English