الـ"بلاك فيس" في دراما رمضان

عندما تُقدَّم العنصرية على طبقٍ كوميديّ
إبراهيم عبدالله
April 19, 2024

الـ"بلاك فيس" في دراما رمضان

عندما تُقدَّم العنصرية على طبقٍ كوميديّ
إبراهيم عبدالله
April 19, 2024
.

بالرغم من تواضع الإنتاج الدرامي اليمني وموسميته، فإنّ هذه القلة، يقابلها اهتمام ومتابعة جماهيرية لافتة، وهو ما يجعل من أيّ فكرة صغيرة أو كبيرة، محلَّ مقاربة وقراءة، ولعلّ ما عكسته المسلسلات اليمنية فيما يتعلق بظاهرة الـ(بلاك فيس) أو (الوجه الأسود)، سواء كان بقصد أو بدون قصد، يُعمّق من المشاكل الاجتماعية القائمة أصلًا، ويحرف تمامًا الرسالة السامية للفنّ والإعلام على حدٍّ سواء.

في الحلقة الرابعة والعشرين من مسلسل "خروج نهائي"، الذي يُعرض على قناة المهرية، يظهر الممثل خالد الجبري مصبوغَ الوجه باللون الأسود، وهو ما يُسمى بالـ"بلاك فيس" أو "الوجه الأسود" مؤدّيًا دور مدرس سوداني مغادرًا اليمن بعد أن عاش فيها 25 سنة.

تبدأ الحلقة بمشهدٍ للمدرس السوداني وهو يُوقف سيارة "سنان"، الذي بدوره توقف بسيارته وأخرج رأسه من نافذة السيارة ليستقبل المدرس السوداني "عبدالنور" بنظرات استغرابية، مستدركًا بجملة: "أين أنا؟ قد أنا في إفريقيا؟"، ليُقِلّ بعد ذلك المدرس عبدالنور إلى فُندق "العم ناصر" الذي أدّى دوره الممثل توفيق الأضرعي، وعند وصوله مع عبدالنور إلى استقبال الفندق، يبشر سنان العم ناصر بأنه قد جلب له زبونًا يُريد غرفة، يتلفت العم ناصر قائلًا: "أين الزبون؟" متظاهرًا بعدم رؤيته للمدرس السوداني بسبب سواد بشرته، مُعلِّقًا على ذلك بأنّ المكان مظلم -"ظُلمي"- مع ضحكة ساخرة.

بالنظر إلى مشهد كهذا، يتساءل المرء: هل يعمل صنّاع المسلسل على صناعة كوميديا للبيض فقط؟ وبافتراض أنّ صنّاع المسلسل ليسوا على علم بالتاريخ العنصري لظاهرة البلاك فيس، فهل صبغوا وجه الممثل فقط لإلقاء النكات العنصرية على لون بشرته السوداء؟ 

لم يكن مشهد الأستاذ السوداني هو المشهد العنصري الوحيد، بل سبقته مشاهد أخرى في الحلقة الرابعة عشرة من المسلسل نفسه، حيث ظهرت شخصية سمراء البشرة تؤدّي دور مهاجر صومالي -يقوم بالدور أحمد محروس- لكنّ المسلسل لم يُقدّم هذا الدور من مدخل إنساني لظاهرة المهاجرين الأفارقة ونقل معاناتهم، بل قُدِّم الدور بشكل مبتذل، حيث تم تقديم الصومالي كشخصية غبية لا تفرق بين الصحراء ومكة، إلى جانب نكات وتعليقات سائق السيارة "سنان"، مثل عبارته: "مُهرق زيادة" في إشارة إلى بشرة المهاجر الصومالي، وهذا هو التنميط بعينه؛ حيث يتم تطبيع الصفات السلبية هذه مع أصحاب البشرة السمراء، يأتون بممثل أسمر البشرة، ليؤدّي دور الغبي، وإن لم يجدوا ممثلًا أسمر، يتم اختيار ممثل أبيض ويصبغون وجهه باللون الأسود لتأدية ذلك الدور الغبي والبدائي، وهذا تطبيع واضح للصفات السلبية وربطها بـ(البشرة السمراء).

"الوجه الأسود" أو الـ"black face" هو مصطلح يصف شكلًا من أشكال المكياج المسرحي، حيث يقوم فنانون غير سود بطلاء وجوههم باللون الأسود لتأدية أدوار غالبًا ما تكون تهريجية ساخرة. ويعود تاريخ ظهور "البلاك فيس" إلى منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، عندما بدأ ممثلون من أصحاب البشرة البيضاء بصبغ وجوههم بالسواد، لتأدية أدوار مونولوجية ومسرحية ساخرة، تُصوّر العبيد الأفارقة.

و"خروج نهائي" هو مسلسل كوميدي من إخراج الإعلامي ومقدّم البرامج محمد الربع، وعلى الرغم من أن الربع قدم في المسلسل حلقات كوميدية خفيفة تقوم على كوميديا الموقف، ومختلفة عمّا يتم تقديمه من تهريج مبتذل، فإنّ المسلسل لم يخلُ من ظاهرة "البلاك فيس" التي تظهر في الدراما اليمنية موسمًا بعد موسم، على الرغم من التاريخ العنصري للظاهرة!

الـ"black face"" وتاريخها العنصري

"الوجه الأسود" أو الـ"black face" هو مصطلح يصف شكلًا من أشكال المكياج المسرحي، حيث يقوم فنّانون غير سود بطلاء وجوههم باللون الأسود لتأدية أدوار غالبًا ما تكون تهريجية ساخرة. ويعود تاريخ ظهور "البلاك فيس" إلى منتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة، عندما بدأ ممثلون من أصحاب البشرة البيضاء بصبغ وجوههم بالسواد لتأدية أدوار مونولوجية ومسرحية ساخرة، تُصور العبيد الأفارقة. صوّرت تلك العروض، الأمريكيين من الأصول الإفريقية على أنهم أغبياء وجهلاء أو كسالى ولديهم هيجان جنسي، ولم يقتصر ذلك على مجرد عروض مسرحية يقدمها بعض الممثلين البيض، بل تحوّلت إلى شكلٍ فنيّ عُرف بالـ"minstrelsy".

واستمرّ تقديم هذا الشكل، سواء على شكل عروضٍ مسرحية وسينمائية أو أغانٍ أو رسومات كاريكاتورية إلى منتصف القرن العشرين، ثم انحسرت هذه الظاهرة مع ظهور حركة الحقوق المدنية التي طالبت بحقوق الأمريكيين الأفارقة (1954-1968).

وعلى الرغم من انتهاء هذه الظاهرة في الولايات المتحدة، فإنّها عاودت الظهور في دراما وسينما المجتمعات العربية، فقد ظهر البلاك فيس في الدراما المصرية والخليجية، وكذلك الدراما اليمنية مُكرسةً الصورة النمطية العنصرية ذاتها.

ثيمة البلاك فيس في الدراما اليمنية

لازمت ظاهرة البلاك فيس العديدَ من المواسم الدرامية في اليمن، بَدءًا من مسلسل "همي همك"، وانتهاءً بمسلسل "خروج نهائي"، وفي كلّ عملٍ تظهر هذه الشخصيات بالبلاك فيس لترسخ التنميط العنصري تجاه السود؛ الأمر لا يتعلق بصبغ الوجه باللون الأسود فقط، بل بالأدوار التي تؤديها هذه الشخصيات، إذ يتم تأطيرهم إما في أدوار غبية أو أدوار إجرامية كأدوار السرقة أو القرصنة، ففي مسلسل "كابتشينو" الذي عُرض على قناة يمن شباب خلال موسم 2021، تظهر شخصيتين بالبلاك فيس وكِلا الشخصيتين تؤديان دور الخدمة والتنظيف، وهنا لا أُقلل من هذه المهن، بل أتحدث عن التأطير والحصر للشخصيات ذات البشرة السوداء، وهنا نسأل: لِمَ لا نرى في الأعمال الدرامية بطلًا أسود؟

أما في مُسلسل "خلف الشمس" الذي عُرض في العام نفسه على قناة السعيدة، فيظهر في المسلسل، الممثل مبروك متّاش، مصبوغَ الوجه بالأسود، مؤدّيًا دور زعيم عصابة القراصنة مع مجموعة من الممثلين الذين تم تقديمهم بأشكال غرائبية متوحشة كقراصنة "صوماليين" مصبوغة وجوههم باللون الأسود! 

أضف إلى ذلك، التعليقات والنكات العنصرية -غير الظريفة- التي يتم إلقاؤها على شخصيات السود في هذه المسلسلات، فكما تظاهر "العم ناصر" في مسلسل "خروج نهائي" بعدم رؤيته للمدرس السوداني بسبب "الظُّلمي"، ظهر "الأستاذ مبروك" في مشهد من مسلسل "همي همك" بجملة: "لا تحرق أعصابك، قدك حارق من عند أرحم الراحمين"، ساخرًا من بشرة الدكتور السوداني "مهند" الذي أدّى شخصيته الممثل خالد الجبري، مصبوغَ الوجه باللون الأسود!

أخيرًا، ما أوردته هذه المقالة، ليست محاكمةً أخلاقية أو استعراضًا للمثالية الفنّية، بل هي ظاهرة صنعت صورة نمطية عن مجموعة من البشر، صورة نمطية عابرة للزمان والمكان، فبالرغم من انحسارها في المجتمع الأمريكي، فإنّها عَبَرت إلى مجتمعاتنا العربية بل إلى مجتمعنا اليمني، وبالرغم من أنّ الدراما نِتاج المُجتمع، فإنها تُشكله، فكما جرّدت "العروض المُهينة" الأمريكيين الأفارقة من إنسانيتهم وحقوقهم، تؤطرُ هذه الأعمال أبناء البشرة السوداء في صور نمطية عِرقية تُشكّل أدوارهم في المجتمع، سواء كانوا من اليمنيين أم من غيرهم.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English