الاستغلال الجنسي مقابل العمل

انتهاكات شنيعة تستبيح المهمشات الصغار في أبين
عبير علي
December 14, 2023

الاستغلال الجنسي مقابل العمل

انتهاكات شنيعة تستبيح المهمشات الصغار في أبين
عبير علي
December 14, 2023
.

يعيش ذوو البشرة السمراء "المهمشين" في محافظة أبين (جنوب اليمن)، في تجمعاتٍ مستقلة، غير أنّ العدد الأكبر منهم يقطن في حي الطُّمَيسِي، الواقع شمال المحافظة، وفي مخيم "القُرْنَعَة" الواقع في منطقة الكود، غربي أبين، حيث يصعب على غالبيتهم الاندماج في المجتمع، والسكن في أيِّ منطقة أخرى؛ بسبب التمايز العِرقي الذي يفرضه المجتمع عليهم.

لا تخلو حياة هذه الفئة من المآسي، التي تضاعفت بفعل الحرب التي يعاني اليمنيون عامةً تبعاتها، لكن وقع المآسي كان أشد وأعنف بالنسبة لهؤلاء، خاصة أنهم يعيشون حالة غير مستقرة على الدوام، فكيف ستكون أوضاعهم والبلاد غارقةٌ في حرب وصراع أرهق كاهل الجميع، بمن فيهم الموظفون.

الأطفال والفتيات من فئة المهمشين هم الأكثر تأثرًا بالوضع المأساوي الذي آلت إليه ظروفهم نتيجة تهميشهم ونبذهم وعزلهم، فالكثير منهم، ونظرًا لعدم تقبل الآخرين لهم أضطر إلى التسرُّب من التعليم، إلى جانب طبيعة حياتهم المُضطربة ، وظروفهم المادِيّة الصعبة، والتي تحتّم على الكثير منهم الانخراط في سوق العمل، لمساعدة أهاليهم في الإنفاق على الأسرة، والتخفيف من وطأة الفقر والجوع.

خروج الأطفال المهمشين، خصوصًا الفتيات للعمل في مهن وأعمال مختلفة، أمرٌ شاق نظرًا لطبيعة أجسادهم الصغيرة، لكن الإجهاد الجسدي ليس وحده ما يُرهقهم، فالكثير من هؤلاء الأطفال يتعرَّض لصنوف مختلفة من الانتهاكات، غالبيتها تنحصر بين الانتهاكات الجسدية والانتهاكات الجنسية، التي لا يستطيعون مجابهة فاعليها إلا بترك أعمالهم.

يؤكد أطفال صغار وفتيات من ذوي البشرة السمراء في أبين، تعرضهم للاستغلال الجنسي بسبب اضطرارهم للخروج إلى سوق العمل، للبحث عن فرصة عمل لإعالة أسرهم، إذ يواجهون معاناة شاقة ومضايقات في حال الحصول على عمل، الذي يكون غالبًا بمبالغ زهيدة للغاية.

وتتعدد الحالات التي تتعرض للانتهاكات المختلفة من فئة المهمشين في محافظة أبين، لكنها تتشابه -جميعها- في شِدّة المأساة التي يعيشون تفاصيلها بالطريقة نفسها، وعلى ذاتِ الرتم، حيث لا يلقي أحدٌ بالًا لقضاياهم، وقد يشترك الجميع في قهرهم وتضييع حقوقهم.

طفولة منتهكة

لا توجد إحصائيات تبيِّن نسبة الأطفال الملتحقين بالعمل من فئة المهمشين، ولكن أظهرت تقارير حديثة صادرة عن منظمات حقوقية ودولية، زيادةً هائلة في عمالة الأطفال في اليمن، وبحسب تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن اليمن من البلدان التي لديها أعلى معدلات عمالة أطفال، وهناك 23% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا، يعملون في مناطق القمامة الكبيرة لجمع المعادن والمواد التي يمكن إعادة تدويرها، إضافة إلى العمل في الزراعة وخدمات البناء، وشريحة واسعة من أطفال اليمن يتسولون في الشوارع.

الطفلة "ف.ن" (13 عامًا)، اضطرتها ظروفها الماديّة والتمييزية، كونها طفلة مهمشة، للعملِ في المنازل، كمساعدة منزلية، إلا أنها لم تجد عملًا في أيِّ منزلٍ بشكلٍ دائم يضمن لها الاستقرار؛ ما جعلها تعمل بالطلب ليوم أو أيام معدودة.

تعرضَت الطفلة (ف.ن) للاعتداء الجنسي الوحشي من قبل رجل متزوج وأبٍ لأطفال، طلبها للعمل في منزله لمساعدة زوجته المريضة -حد قوله- إلا أنها تفاجأت بخلو المنزل من ساكنيه، وأثناءَ محاولتها المغادرة، انقضّ عليها كفريسةٍ سهلة، ودون خوف من مآلات فعلته الشنيعة.

أُلقيت (ف.ن) على قارعة الطريق ببشاعةٍ ووحشية، وهي فاقدةٌ وعيَها تمامًا، حيث نُقلت إثر ذلك للمشفى، حيث أكّدت الطبيبة المشرفة على حالتها، تعرُّضها للاعتداء الجنسي بشكلٍ كامل، وعلى ضوء هذا التقرير قدّم والدها بلاغًا أمنيًّا ضدّ الشخص المُعتدِي، إلا أنّ الأمر لم يأخذ مجراه، وتدخلت الوساطات المجتمعية، إلى أن انتهى الأمر بمئتي ألف ريال تعويضًا لوجعها الذي سيرافقها عمرًا، كما تقول.

في السياق، تقول عزّة عيسى، مسؤولة الحالة في اتحاد نساء اليمن، في أبين لـ"خيوط": "إنّ الكثير من قضايا الانتهاكات التي يتعرضُ لها الأطفالُ، خصوصًا الفتيات والنساء المهمشات، تذهبُ أدراج الرياح، ويتكاتف الجميع في تعذيبِ هذه الفئة، والتَّأكيد على عدم أحقِّيتهم في أي شيء، وفي كل شيء"، كما تؤكّد عيسى على تزايد حالات الانتهاكات عامًا بعد آخر، وسط صمتٍ مجتمعي وسلطوي تجاه هذه القضايا.

وترى عيسى أنّ الدعم النفسي والمادي والقانوني الذي يُقدَّم لهم من اتحاد نساء اليمن، وبعض منظمات المجتمع المدني، ليس كافيًا، حيث يحتاج هؤلاء العيشَ بصورة طبيعية كبقية شرائح المجتمع، وهذا أمر يستدعي تضافر الجميع على حدٍّ سواء.

الإحصائيات الأخيرة لفرع اتحاد نساء اليمن في أبين، لعام 2022 وحتى حزيران/ يونيو 2023، توضح تزايد حالات الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال المهمشون، حيث بلغت حالات الانتهاكات 102 حالة، موزعة بين انتهاكات جنسية وجسدية، منها 35 حالة اغتصاب، و41 حالة تحرش جنسي، و26 حالة اعتداء جسدي.

حسرة وألم معاناة الاستغلال

يؤكد أطفال صغار وفتيات من ذوي البشرة السمراء في أبين، تعرضهم للاستغلال الجنسي، بسبب اضطرارهم للخروج إلى سوق العمل للبحث عن فرصة عمل لإعالة أسرهم؛ إذ يواجهون معاناة شاقة ومضايقات في حال الحصول على عمل، الذي يكون غالبًا بمبالغ زهيدة للغاية.

هنا شرح ضحية لهذه الممارسات، لـ"خيوط": "رغم مشقة الأمر بالنسبة لي، لم أسْلَم أيضًا من المضايقات، حيث يمر عليّ اليوم قاسيًا جدًّا، أحاول فيه العمل منتبهًا للدفاع عن نفسي، فلطالما حاول أحد المسؤولين عنّي التحرش بي جنسيًّا، وأذيّتي جسديًّا في حال الدفاع عن نفسي، إذ يتكرر ذلك بين الفترة والأخرى، وهو أمر مقلق للغاية".

لم يجد كثير من المهمشات والمهمشين، خصوصًا في سن الطفولة، مبررًا لمحاولات استغلالهم جنسيًّا، سوى كونهم من الفئة المهمشة، الفئة التي لا تستطيع الدفاع عن حقوقها والمطالبة بها، وإن استطاعت لا تجد مستجيبًا لها.

وتتظافر المآسي على أطفال هذه الفئة الذين يحرمون من أبسطِ حقوقهم، كحقِّهم في التعليم، وحقِّهم في حياة كريمة يعيشونها إلى جانب بقية شرائح المجتمع بالتساوي.

في السياق، توضح أملاك المسعدي، رئيسة مؤسسة ماسة حوّاء في أبين، أسباب الانتهاكات التي يتعرَّض لها المهمشون الصغار، حيث تعود إلى النظرة الدونية التي يعانونها، وتهميش المجتمع لهذه الفئة، وتجاهل السلطات المحلية ومنظمات المجتمع المدني لهذه الفئة، التي تحتاج إلى جهد مضاعف لمزجهم في المجتمع، وتغيير نظرة الآخرين عنهم.

وترى المسعدي، أن تجاهل المجتمع بمن فيهم سلطات المحافظة لحقوق هذه الفئة وعدم تجاوب السلطات القضائية مع قضاياهم، جعلهم عرضة للنهش، والاعتداءات المستمرة.

حياة أشبه بكابوس

أرقام مقلقة للضحايا التي تم رصدها، فيما يظل الجزء الأكبر من الانتهاكات التي يقاسيها الأطفال المهمشون غير مرئي وبعيدًا عن المجهر، فهل سيتخذ المعنيون والمهتمون إجراءاتٍ تحد من هذه الانتهاكات، أم أنّ معاناتهم ستستمر ما استمرَّ التمايز العِرقي في المجتمع اليمني، وتجاهل هذه الفئة، وعدم تقبّلها للانخراط والاندماج في المجتمع؟

تنص المادة (133) في القانون رقم 45 لعام 2002، بشأن حقوق الطفل اليمني: "يقصد بالطفل العامل من بلغ عمره أربع عشرة سنة، ويحظر عمل من هم دون ذلك السن، كما يحظر تشغيل الطفل في الأعمال الصناعية قبل بلوغه سن الخامسة عشرة".

كما تنص المادة (137) في القانون ذاته على أنّه: "لا يجوز أن تزيد ساعات العمل اليومي للطفل العامل على ست ساعات، تتخللها فترة أو أكثر للراحة، بحيث لا يعمل الطفل أربع ساعات متتالية دون راحة، ولا يجوز أن تقل مدة الراحة عن ساعة واحدة". 

غياب النظام وعدم سيادة القانون الذي يُجرّم عمالة الأطفال دون سن الخامسة عشرة، ويحاسِب مرتكبي ذلك الجُرم، جعل الكثير من الأطفال عرضةً للانتهاكات بكافةِ صورها وأشكالها، وأتاح لأرباب الأعمال ممارسة صنوف العذاب على تلك الأجساد الصغيرة، التي تحتاج للرعاية والاهتمام والتأهيل، في حين ترك الأطفال من فئة المهمشين عرضةً للانتهاكات الأشدّ جسامةً وخطورة، خاصة أنهم يدركون تمامًا تجاهل المجتمع والسلطات لهذه الفئة، وعدم أخذ قضاياهم بعين الاعتبار؛ ما جعل الأطفالَ منهم يُسحقون تحتَ وطأة الحاجة والتّهميش.

•••
عبير علي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English